قرب بني وليد، مصراتة، بنغازي، واشنطن (ليبيا) - أ ف ب، رويترز - أعلن الثوار الليبيون أنهم شنّوا «هجوماً واسعاً» صباح السبت على مدينة بني وليد، جنوب شرقي طرابلس، لإخراج كتائب معمر القذافي منها، إلا أنهم أوقفوا الهجوم على المدينة «لأسباب تكتيكية» قد تكون مرتبطة بقصف قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو). ونفّذت طائرات «الناتو» بالفعل ما لا يقل عن خمس غارات على مواقع قوات القذافي في المدينة. وجاءت معارك بني وليد في وقت توقف رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبدالجليل في مدينة مصراتة في طريقه إلى العاصمة طرابلس التي يزورها للمرة الأولى منذ طرد قوات العقيد معمر القذافي منها في آب (أغسطس) الماضي. وأكد عبدالجليل أمام نحو 300 شخصية محلية في مصراتة (200 كلم شرق طرابلس): «الليلة الفائتة انتهت المهلة. لقد مددناها أكثر من مرة وحاولنا فتح الطريق أمام حل سلمي». وأضاف: «الوضع بات الآن في أيدي المقاتلين الثوار. لقد تحدثنا اليهم عبر قادتهم ونترك لهم خيار اتخاذ القرار (بالهجوم) حين يشاؤون». وكان عبدالجليل دعا في وقت سابق أمام الصحافيين آخر معاقل القذافي وخصوصاً سرت (360 كلم شرق طرابلس) وبني وليد (170 كلم جنوب شرقي طرابلس) وسبها (وسط) إلى الاستسلام من دون إراقة دماء. وقال: «نمد يدنا إلى إخواننا في هذه المناطق بهدف السماح لقواتنا بالدخول إليها من دون إراقة دماء ومن دون معارك». وشدد عبد الجليل على أن «أولويتنا الأولى هي تحرير كل الأراضي الليبية، مناطق مثل بني وليد وسرت وسبها». وتابع: «علينا إلا ننسى أن معمر القذافي لا يزال حياً ولا يزال يملك المال والذهب لإفساد الناس». وقال المسؤول عن المفاوضات من جانب الثوار مع قبائل بني وليد عبدالله كنشيل لوكالة «فرانس برس»: «بدأنا صباح السبت الهجوم الواسع الذي تحدثنا عنه لدخول مدينة بني وليد والسيطرة عليها بعد وصول تعزيزات عسكرية من مناطق أخرى». وأضاف أن «الثوار باتوا يسيطرون حالياً على مواقع في شمال المدينة ويعملون على تمشيط المناطق المحيطة بهذه المواقع بمواجهة قناصة يتمركزون في بعض المنازل وقد استشهد أحد مقاتلينا برصاص هؤلاء القناصة». إلا أن كنشيل أوضح «أن الثوار تراجعوا بعد ذلك لأسباب تكتيكية قررها القادة العسكريون على الأرض ربما تكون مرتبطة بعمليات عسكرية ينوي الحلف الأطلسي القيام بها». وقال مراسل من «رويترز» على مشارف بني وليد إن طائرات حلف الأطلسي نفّذت ما لا يقل عن خمس ضربات جوية في محيط البلدة بعد وقت قصير من إعلان الثوار تراجعهم لأن طائرات الحلف ستقصف مواقع القذافي فيها. وقال المقاتل عبد الملا محمد وهو ينسحب بشاحنته من بني وليد: «طلب منا القادة الميدانيون الانسحاب لأن حلف الأطلسي سيقصف قريباً». وتابع مقاتلون آخرون وهم ينسحبون أيضاً انهم يتوقعون ضربة من حلف الأطلسي. ورأى مراسل من «رويترز» عشرات المركبات تنسحب من البلدة. لكن «رويترز» نقلت أيضاً من بروكسيل عن مسؤول في «الناتو» إن الحلف ينفي تقارير إعلامية عن طلبه انسحاب قوات المجلس الوطني الانتقالي من بني وليد استعداداً لشنه هجمات جوية. وتابع: «لم يتصل الحلف بقوات المجلس الانتقالي ليطلب منهم الانسحاب من مواقع في بني وليد. لم نتصل بهم. ليست لدينا اتصالات بقوات المجلس الوطني الانتقالي». وكانت قناة الجزيرة الفضائية قد بثت خبراً لم تذكر مصدره يفيد بأن الحلف أصدر مثل هذا التحذير لقوات المعارضة الليبية. وقامت مجموعة من الثوار بمرافقة حوالى 30 سيارة تحمل صحافيين إلى منطقة وادي الدينار التي تبعد نحو كيلومترين فقط عن مدخل بني وليد وحوالى خمسة كيلومترات عن وسطها، حيث تتمركز عشرات الآليات العسكرية التي تحمل على متنها مئات الثوار المدججين بالسلاح وخصوصاً براجمات صواريخ. وقال المقاتل عبدالباسط هويد (37 سنة) وهو صاحب فندق في طرابلس: «سيطرنا على معسكر لقوات القذافي يقع عند مدخل مدينة بني وليد لكننا عدنا وانسحبنا منه بعدما أُبلغنا بأن قوات الأطلسي قد تقوم بقصفه». وتوقع هذا المقاتل «السيطرة على بني وليد هذا المساء». وخلال وجود الصحافيين في هذه المنطقة كان دوي الرصاص والقذافي يسمع بقوة جراء الاشتباكات التي كانت تجري عند مدخل بني وليد. وقال الطبيب إبراهيم عيسى (28 سنة): «عالجنا العديد من المصابين بالمعارك حتى إننا تعرضنا نحن للاستهداف بالقنابل العنقودية»، مضيفاً أن «عائلتي تسكن في بني وليد... أتمنى ألا اضطر أن أسعف أحداً منهم». وأوضح مراسل «فرانس برس» الذي كان بين الصحافيين في وادي الدينار أن النار أطلقت باتجاههم من قبل كتائب القذافي بعد وصولهم بنصف ساعة إلى المكان، ما أجبرهم على التراجع من حيث أتوا مع الثوار الذين كانوا يرافقونهم وسط حال من البلبلة والفوضى. وكان الثوار حشدوا قواتهم في منطقة تبعد حوالى 30 كلم عن بني وليد، أحد آخر معاقل الزعيم الليبي الفار، فيما حافظ المقاتلون في الخطوط الأمامية خلال ساعات الليل على المواقع التي سيطروا عليها أثناء معارك الجمعة. وأجمع الثوار العائدون من مواقع القتال على المقاومة العنيفة التي يلقونها من قبل القوات الموالية للقذافي، مشيرين الى أنهم استقدموا أسلحة جديدة. وقال الثوار إن قوات القذافي في بني وليد تُقدّر بنحو ألف عنصر، وهو رقم أعلى بكثير من التقديرات السابقة التي تحدثت عن 150 مقاتلاً فقط. وتعتقد القوات المناهضة للقذافي خارج بني وليد أن بعض أبنائه وربما حتى الزعيم المخلوع نفسه مختبئون في البلدة. ولوحظ أن تعزيزات من الثوار تم استقدامها من طرابلس للمشاركة في معركة بني وليد. وقال أبو عزيز سليم المقاتل في صفوف المجلس الانتقالي ل «رويترز» وهو يسارع للخروج من العاصمة وعلى كل كتف من كتفيه بندقية كلاشنيكوف: «هناك مقاتلون يتوجهون (إلى بني وليد) من جادو والزنتان ومن طرابلس. هناك خليط». كما أفيد، في هذا الإطار، أن آلاف المقاتلين الموالين للمجلس الانتقالي - بين 12 ألفاً و18 ألفاً، بحسب المصادر - تجمعوا في مصراتة وكانوا مدججين بالسلاح ومزودين تجهيزات تمهيداً لمشاركتهم في المعارك سواء في جنوب الصحراء أو على الساحل في اتجاه سرت. كما بدأت معارك خارج مدينة سرت، أول من أمس، رداً على وابل الصواريخ الذي أطلقته القوات الموالية للقذافي. وقال المجلس الانتقالي إنه أرسل أيضاً مئات القوات الى سبها في عمق الصحراء. وعلى صعيد ملاحقة القذافي الفار، قال هشام بوهاجيار المنسق العسكري في المجلس الانتقالي عن تعقب الزعيم المخلوع إن لديه دلائل على أن القذافي في براك أو قريباً من البلدة التي تبعد نحو 700 كيلومتر جنوبطرابلس. وقال إن قوات حلف الأطلسي قصفت المنطقة في وقت متقدم يوم الخميس. وأضاف انه سينتقل الى سبها قرب براك خلال يومين لملاحقة القذافي. ويقال إن القذافي يعتمد على القبائل الموالية له لحمايته في الجنوب حيث لا يتمتع المجلس الانتقالي بنفوذ يذكر. وعزلت سبها الواقعة في قلب الصحراء عن بقية ليبيا بعد سقوط طرابلس. ولم ترد معلومات تذكر عن البلدة التي يسكنها 100 ألف شخص ويقيم بها كثير من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. وفي واشنطن، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما تسلم الجمعة اوراق اعتماد السفير الليبي الجديد في واشنطن، أول سفير منذ سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي وسيطرة الثوار على طرابلس. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي توماس فيتور: «اليوم، وافق الرئيس اوباما على اوراق اعتماد علي سليمان الأوجلي كأول سفير استثنائي ومطلق الصلاحية لليبيا وهو أول ممثل لليبيا الجديدة في الولاياتالمتحدة وأحد اوائل الديبلوماسيين الليبيين الذين يعتمدون على المستوى الدولي منذ سقوط القذافي».