يعكس اختيار جابر عصفور (1944) مجدداً لتولي منصب وزير الثقافة في مصر أزمة السلطة السياسية في هذا البلد وهي تبدو غير قادرة على إحداث قطيعة مع رموز نظام الرئيس حسني مبارك الذي أطاحته ثورة شعبية انطلقت في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011. ومع ذلك يصعب على المراقب إغفال أن الاعتراض هذه المرة على إسناد حقيبة الثقافة إلى صاحب كتاب «زمن الرواية» جاء أقل حدة مما كان عليه في 31 كانون الثاني 2011 عندما أدى جابر عصفور القسم أمام حسني مبارك في ذروة ثورة الغضب التي سرعان ما دفعت عصفور الى الاستقالة بعد أقل من عشرة أيام على توليه منصب وزير الثقافة وأجبرت مبارك نفسه على التخلي عن الحكم. حل جابر في تلك الأيام القليلة خلفاً لفاروق حسني الذي حقق رقماً قياسياً في الاحتفاظ بهذه الحقيبة على مدى 22 عاماً كان عصفور خلال 15 عاماً منها، هو المحرك الأساسي للعمل الثقافي الرسمي في مصر، بحكم منصبه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة. هذه المرة أدى عصفور اليمين أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وصل الى منصبه بفوز كاسح (نحو 97 في المئة) في انتخابات نافسه فيها «المثقف» الناصري حمدين صباحي. وسارع عصفور فور إعلان اختياره لشغل منصب وزير الثقافة خلفاً لمحمد صابر عرب، إلى التصريح بأن «عودتي للوزارة مهمة وطنية، ولا مكان للمتخاذلين»! ويؤكد عصفور أنه مستعد هذه المرة لتطبيق خطة عمل لتطوير المنظومة الثقافية للدولة، ووفق مقال نشره أخيراً في جريدة «الأهرام» القاهرية فإن تلك «المنظومة الثقافية التي أتحدث عن الضرورة الحتمية لتطويرها أو تثويرها تقع المسؤولية عنها على طرفين؛ أولهما الدولة التي ينبغي أن تقوم بالدور الحاسم، وثانيهما المجتمع المدني الذي لابد للدولة من تفعيله وتشجيعه على الإسهام في تطوير وتحديث منظومتها الثقافية». في هذه المناسبة ارتأينا ان نستمزج آراء بعض المثقفين والكتاب المصريين حول عودة جابر عصفور الى وزارة الثقافة فآثر الكثيرون الصمت وعدم الإدلاء برأي، مما يدل على ان هؤلاء إما هم يؤيدون جابر ضمناً ولا يريدون ان يفصحوا عن رأيهم، وإما انهم يعارضونه ومن دون ان يعلنوا ذلك. الأكاديمي زين عبد الهادي؛ الرئيس السابق لدار الكتب المصرية يرى في جابر عصفور «أحد أهم أعمدة الثقافة في مصر خلال ما يزيد على ربع قرن مضى، ولا شك في أن اسهاماته في سياسات وزارة الثقافة وقضايا المثقفين، بخاصة تلك المتعلقة بحرية الإبداع والترجمة والنقد الأدبي والرؤى السياسية الخاصة بعلاقة المثقفين بوزارة الثقافة والتي كان مهندسها عبر سنوات طويلة من العمل، تجعله قريباً من متخذي القرار في الدولة». ويضيف عبدالهادي: كان لعصفور الكثير من السياسات التي اختلفنا فيها معه، لكنّ هذا الاختلاف يجبرنا على احترامه لقيمته الفكرية الكبيرة. والآن علينا أن ندعه يقدم رؤاه للمستقبل، مستقبل الثقافة، وعليه أن يخوض حرباً مع الفساد، وعليه أن يقدم رؤيا عالمية لمنظور واتجاهات الثقافة المصرية، وعليه ان يحول الثقافة إلى منظومة فكرية / اقتصادية ناجحة». ويرى الروائي رؤوف مسعد أنه «لو تبنى عصفور مهمة واحدة وهي أن تكون هوية مصر مظلة للمصريين جميعاً، لقلت له وللقيادة السياسية إني معكم قلباً وقالباً، لكنني واثق من أن هذا الموضوع غير مطروح للبحث في الوقت الراهن طبقاً للتقليد المصري البيروقراطي السياسي: إغلاق الأبواب التي تأتي منها الرياح، وهي بالتأكيد رياح التغيير الحقيقية». وكتب الشاعر محمد الحمامصي على الفايسبوك يقول: «رحم نظام مبارك يلد الوزارة الجديدة بعد جراحة فاشلة استمرت ثلاث سنوات ونصف سنة». وطالبت الروائية ميرال الطحاوي بوقفة احتجاج... «ولا حنمشيها تفويض؟ ارفع صوتك يا أخي فقد مضى عهد فاروق حسني». ورأى الروائي حمدي أبو جليل أن «إعادة جابر عصفور لوزارة الثقافة قرار شجاع فعلاً وفي محله تماماً»، فيما كتب الشاعر والروائي صبحي موسى: «الرسالة وصلت. خلاص آسفين يا مبارك». واعتبر الشاعر يسري حسان تولي جابر عصفور وزارة الثقافة أمراً يستحق التقدير: «اختلفتُ معه كثيراً وشاغبتُه أكثر، لكنه يظل واحداً من جماعة المثقفين المهمين وله إنجازه النقدي والفكري المحترم وهو واجهة جيدة ومشرّفة لثقافة مصر وله حضور عربي ودولي لا ينكره أحد. أهلاً به وزيراً للثقافة شرط أن يستعين بمن هم أهل الخبرة وليس أهل الثقة حتى ينجح فى مهمته الصعبة، وليعلم أن الشغب سيستمر رغبة في الأفضل دائماً، وأعتقد أنه سينجح». وذهب الناقد يسري عبد الله إلى أن «الواقع العجوز، يُستعاد الآن، وتستعاد معه الحظيرة، ومهندسها القديم/ الجديد، تكريساً لخيال ماضوي». وكتب الشاعر عاطف عبد العزيز على صفحته على «فايسبوك» أن «إسناد وزارة الثقافة لجابر عصفور مفاجأة بكل المقاييس. يبدو أننا لا بد أن نعيد تقييم فهمنا للواقع، فلم أكن أتصور أن اسم جابر عصفور من الممكن أن يرد على بال رئيس وزراء جاء بعد ثورتين، لكنّ واقع الحال يؤكد أن علاقة رجال الدولة في مصر حالياً بالثقافة أوهى مما نتوقع بكثير، والأغلب أنهم يقعون في فخ استشارة أسماء بعينها ترسخ في الوعي العام أنهم العليمون بشؤون الثقافة مثل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والروائي جمال الغيطاني والروائي يوسف القعيد ومن هم على شاكلتهم وهؤلاء لن يرشحوا أسماء خارج دائرة محددة تتركز فيها مصالحهم». ورأى الشاعر فتحي عبد السميع أن «الوزير جابر عصفور مثقف كبير، وإداري جيد، لكنه يذكرنا بالحظيرة، وثقافة الخضوع والخنوع، لا ثقافة الثورة». منذ 31 كانون الثاني (يناير) 2011 تولى وزارة الثقافة في مصر بالتوالي كل من جابر عصفور، محمد عبد المنعم الصاوي، عماد أبو غازي، شاكر عبد الحميد، محمد صابر عرب، محمد ابراهيم علي، علاء عبد العزيز. عرب ترك المنصب وعاد إليه أكثر من مرة، واستقال في إحدى تلك المرات ليتمكن من الحصول على جائزة الدولة التقديرية! وبين هؤلاء اثنان؛ عماد أبو غازي ومحمد عبد المنعم الصاوي، سبق أن تولى والد كل منهما الوزارة نفسها في عهد السادات. في ذلك العهد تولى هذا المنصب تسعة وزراء، وهو رقم قياسي مقارنة بعهدي عبد الناصر وحسني مبارك. أما الدكتور جابر عصفور فتولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بدءاً من 24 كانون الثاني (يناير) 1993 حتى آذار (مارس) 2007، وهو مؤسس «المشروع القومي للترجمة»، ومؤسس «المركز القومي للترجمة» وأول مدير له. تولى رئاسة تحرير مجلة «فصول» في 1992 ومن أبرز مؤلفاته «المرايا المتجاورة، دراسة في نقد طه حسين»، «هوامش على دفاتر التنوير»، «مفهوم الشعر: دراسة في التراث النقدي»، «زمن الرواية»، «الإحيائية والإحيائيون». ومن أبرز الأعمال التي ترجمها «النظرية الأدبية المعاصرة» لرامان سلدن. وهو أول وآخر من فاز بجائزة القذافي العالمية للآداب (2009) ونال الوسام الثقافي التونسي من رئيس جمهورية تونس في 1995 ، وجائزة سلطان العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد - الدورة الخامسة 1997 ودرع رابطة المرأة العربية في 2003. وعمل جابر عصفور في السلك الأكاديمي (قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة القاهرة) منذ 1966 وعمل أستاذاً مساعداً زائراً للأدب العربي في جامعة ويسكونسن- ماديسون الأميركية بين عامي1977 و1978. وعمل أستاذاً زائراً للنقد العربي في جامعة ستكهولم في السويد بين عامي 1981 و1982، وأستاذاً زائراً للنقد العربي في جامعة هارفارد الأميركية في 1995، وعمل أستاذاً معاراً، ثم عميداً مساعداً في كلية الآداب - جامعة الكويت. وكتب في صحف ومجلات عدة.