بينما ينتظر الأفغان إعلان نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، يقوم جنود أميركيون في قاعدة متقدمة بجنوب البلاد بتفكيك أكواخ خشبية وجمع العتاد وحزم أمتعتهم. بعد حرب استمرت 13 عاما، تعود القوات الأميركية مع غالبية عتادها الى الولاياتالمتحدة قبل 31 كانون الاول (ديسمبر). من الثلاجات الى صناديق الذخائر، يقوم الجنود الأميركيون الذين تتولى بلادهم قيادة قوات "حلف شمال الأطلسي" في أفغانستان بفرز أكوام من العتاد ليقرروا ما الذي سيأخذونه منها معهم وما سيتركونه للأفغان وما يجب اتلافه. وقال الميجور روب وولفيندن (37 عاما) الذي يساعد في الإشراف على الإنسحاب من قاعدة "باساب" المتقدمة في ولاية قندهار "نحن لا ندمر المعدات ونتخلص منها فقط، بل نحاول قدر المستطاع إعادة تدويرها لكن بعضها غير صالح فعلاً للإستعمال". وبينما كان وولفيندن يتحدث، كانت الجرافات تزيح سواتر ترابية بينما يتفحص جنوده بدقة وتأن أكوام العتاد وكأنهم يبحثون عن كنز. وفي "منطقة الفرز" هناك صناديق مليئة بالخراطيم البلاستيكية وأجهزة اللاسلكي العسكرية وعبوات حبر للطابعات ونقالات وشباك للتمويه ومولدات كهربائية وكتيبات عسكرية. وهناك ايضاً مستوعب للأغراض الشخصية مثل المراوح الكهربائية والطابعات وسماعات الأذن التي أرسلها أقارب الجنود لتسهيل حياتهم بعيدا عن موطنهم. وعند انسحاب القوات الاميركية العاجل والفوضوي من فيتنام، القى الجنود مروحيات من طراز "هوي" في البحر من على متن حاملات الطائرات. لكن الوضع مختلف هذه المرة. وقال اللفتنانت جو مانور من الفرقة 226 "نحن نحافظ حتى على البطاريات الصغيرة". ومع تقلص قاعدة "باساب" تتوسع قاعدة للجيش الأفغاني قربها مع انتشار 1300 جندي فيها حتى الآن. وفي ذروة المعارك كان عديد القوات الاميركية وقوات التحالف (إيساف) المنتشرة في مئات القواعد العسكرية في أفغانستان يزيد عن 150 ألف عنصر. الا أن وجود هذه القوات يتضاءل يوما بعد يوم مع رحيل جنود العديد من دول التحالف عن أفغانستان. ولا يزال قرابة 50 ألف عنصر من هذه القوات على الأرض من بينهم 32 ألف جندي أميركي سيرحل غالبيتهم بحلول نهاية العام. وبالنسبة الى الجنود الأميركيين الذين لا يزالون في أفغانستان، فإن فرص مشاركتهم في المعارك باتت ضئيلة وغالبيتهم لم يعد أمامها سوى أعمال روتينية. وقال الكابتن لوك ريلا "لقد اعتادوا على المعارك والوضع هادئ جداً الآن". وتعتبر وحدة ريلا من آخر الوحدات التي تقوم بدوريات مشتركة مع القوات الأفغانية لحماية مهبط قندهار من هجمات صاروخية. وأضاف ريلا لوكالة "فرانس برس" خلال قيامه باحدى الدوريات "قد لا يبدو الأمر مغريا، لكنه ضروري جدا". وبدت المعدات القتالية المتطورة والعربات المدرعة غريبة وفي غير مكانها في قرية فقيرة اعترض السكان فيها على وصول الأميركيين. ويقر ضباط أميركيون في أحاديث خاصة بوقوع العديد من الأخطاء خلال هذه الحرب الطويلة والمضنية في أفغانستان: غارات حادت عن أهدافها، وأخطاء استراتيجية، ومشاريع مساعدة كانت مجرد هدر للوقت والمال. الا أن العديد من الضباط الاميركيين يعتقدون أن حركة التمرد منيت بخسارة كبيرة، أقله في الوقت الحالي. وقال ريلا "البعض يعتقد اننا نضيع الوقت هنا لكننا حققنا شيئا والمكان بات أكثر امنا". واذا وقع الرئيس الأفغاني المقبل اتفاق "الشراكة الاستراتيجية الأمنية" مع واشنطن، سيظل 9800 جندي أميركي وبضعة آلاف من عناصر قوات التحالف في أفغانستان في مطلع 2015. وبعدها بعامين، سينسحب الأميركيون بشكل تام. في هذه الاثناء، يتم الانسحاب بوتيرة أسرع وأرسل لواء أميركي بكامله للإشراف على العملية الضخمة. وتم اخراج قرابة 40 ألف عربة تابعة لدول "ايساف" في العامين الماضيين، غالبيتها برا عبر باكستان ومنها الى السفن. ومن المتوقع أن تقارب كلفة انسحاب القوات الأميركية وحدها ستة بلايين دولار. كما تم تسليم أكثر من 400 قاعدة عسكرية الى القوات الأفغانية، الا ان الحكومة غير قادرة ماديا على ابقاء هذه القواعد بالمستوى نفسه. وقلصت القوات الأجنبية من حجم القواعد لتسهيل الدفاع عنها، وازالت معدات معالجة المياه والمولدات الكهربائية وغيرها من المعدات المكلفة. وسيتم التخلص من عدد كبير من العتاد لم تعد له فائدة سواء لايساف او للقوات الأفغانية. وحتى عربات "ام راب" المدرعة الضخمة القادرة على مقاومة القنابل والتي باتت ترمز الى الوجود الأميركي سيتم التخلص منها. وتم عرض هذه العربات على قوات التحالف لكن الاقبال عليها كان محدودا. وقرر الجيش الأميركي أن اعادتها الى البلاد مكلفة للغاية ولذلك سيبقي على عدد قليل فقط ويفكك البقية. ويقول قادة أميركيون عسكريون ان العربات لا تتفق مع الخطة الاستراتيجية العسكرية التي تفترض أن الولاياتالمتحدة لن تخوض في المستقبل القريب حرباً طويلة كهذه ضد متمردين.