ينشغل الجميع في سورية بمتابعة ما يحدث في البلاد بقلق وغضب ونفاذ صبر. وتعيش الشوارع في غير محافظة حركة غير معتادة، شوارع مهجورة وأخرى حاشدة، عائلات ثكلى وأخرى خائفة بينما ينصرف الناس عن متع كثيرة اعتادوا الإدمان عليها. فلا وقت للمطاعم ولا للتسوق، حتى اللافتات الإعلانية التي غالباً ما تعلن عن سهرات غنائية لمناسبات عدة تكاد تكون معدومة. أمور كثيرة تغيرت في الشهور القليلة المنصرمة. ووسط صخب هذا التغيير يتبعثر أطفال الشوارع بكثافة غير مسبوقة ويفترشون طرق العاصمة وغيرها من المحافظات عند إشارات المرور أو في زوايا الحارات. لكنهم يبدون غير آبهين برجال الشرطة ولا بالعقوبة، وهم يعرفون أن الجميع تناساهم. شهدت الفترة الماضية صدور أكثر من مرسوم عفو عن الجنح والجرائم شملت هذه الفئة من الأطفال، الذين يعاملون كأحداث جانحين وفق القانون السوري. وغالباً ما يحالون على المعاهد الإصلاحية أو دور التسول والتشرد في محاولة لإبعادهم عن الشارع وتزويدهم بمأوى وبرنامج إصلاحي يفترض أن ينتهي بإعادتهم إلى المدرسة، أو تعليمهم حرفة أو صنعة يكسبون منها العيش بما يمكنهم من اللحاق بمستقبلهم الضائع. وعلى ما يبدو شغلت الأزمة الجميع، حتى السلطات المختصة لم تعد تتابع أوضاع هؤلاء الأطفال. فباتوا يواجهون بأجسادهم النحيلة الأخطار في الشوارع، علماً أن كثيرين منهم وجدوا في القدوم إلى العاصمة خياراً أنسب بدل البقاء في المحافظات التي تشهد أحداثاً ساخنة. لكنهم أمعنوا في سلوكهم المرفوض فتراهم إلى جانب تسولهم يتشاجرون بعنف ويقومون بأفعال منافية للأخلاق في الحدائق العامة وعلى مرأى من الجميع، يطمئنهم الإهمال وإنشغال السلطات عنهم. وعلى رغم شيوع مصطلح أطفال الشوارع، لا يوجد بعد إتفاق على تعريف محدد لهؤلاء، وغالباً ما يتناولهم القانون بأوصاف أخرى أقل عمومية وأكثر دقة مثل الأحداث أو المشردين أو المتسولين أو المتسربين من المدرسة. هم في النهاية أطفال يعيشون باستمرار في الشوارع أو يزاولون مهناً هامشية، بعضهم على اتصال بأسرته ويسكن معها وآخرون على علاقة واهية جداً بأسرهم، وقسم ثالث قد يكون يتيماً أو لقيطاً ولم يجد طريقه إلى ميتم أو مأوى أو دار للقطاء، بيته الشارع حيث يعيش ويعمل وينام وينتمي. ويختص قانون الأحداث الجانحين وقانون العقوبات السوري بتنظيم أمور معظم فئات أطفال الشوارع، إذ يفرض إما تسليم هؤلاء إلى أهلهم أو تطبيق التدابير الإصلاحية عليهم. فئة مستضعفة يعاني الأطفال أوقات الأزمات والنزاعات والحروب ألماً عميقاً ويعيشون مخاطر عدة لكونهم لا يزالون في طور النمو ومن دون خبرة حياتية، بل يعتمدون في كثير من شؤونهم على الكبار ولا يستطيعون دائماً التعبير بصورة دقيقة عما يدور في دواخلهم بل يختزنون الألم ويجسدون القلق والضيق الذي يعيشونه، جراء أحداث غير مألوفة مثل صوت الرصاص والمشاهد التلفزيونية أو المباشرة للعنف. والأهم أنهم يعانون إهمالاً خطراً قد يفضي إلى نتائج تنال من مستقبلهم وحتى حياتهم. وتبقى فئات أكثر عرضة للخطر والاستغلال، مثل أطفال الشوارع والأيتام واللقطاء والأحداث الجانحين، الذين يحتاجون إلى حماية مضاعفة في مثل هذه الأوقات، إذ غالباً ما تُستغل هشاشة وضعهم والظروف الخطرة وغير المستقرة التي يعيشونها من دون أهل أو بيت أو أي موارد، ليصبحوا بسهولة في زمن الأزمة أو الفوضى ضحايا تحرش جنسي مثلاً أو إتجار منظم. وهنا تبرز ضرورة بناء شبكة لحماية هؤلاء، يؤدي فيها المجتمع المحلي دوراً مهماً في تحديد الحاجات وتنظيم الاستجابات الأفضل للوقاية وإعادة التأهيل، على رغم صعوبة وصول الجمعيات الأهلية والناشطين إلى هذه الفئات في أوقات الأزمات، لكونهم يصبحون خارج دائرة الإهتمام. وقد رصدت أخيراً الصحف المحلية حوادث توثق الإهمال الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال مثل «وفاة طفل مشرد دهساً بسيارة مجهولة»، و «طفل شارع يعتدي جنسياً على طفل أصغر قد لا يتجاوز عشر سنوات». ويذكر أن الأطفال يتمتعون، وفق اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989 التي صادقت عليها غالبية بلدان العالم، بالحق بحماية خاصة والنمو الجسمي والعقلي والروحي الطبيعي السليم الآمن في جو عائلي. وتعتبر مصلحة الطفل العليا هي الأساس في التدابير والاجراءات المتخذة على هذا الصعيد. كما تكفل الاتفاقية حق الأطفال بالحماية من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية.