«حسنة للطفل المعاق، حسنة لوجه الله»، تكرر امرأة في محاولة لاستعطاف المارة في أحد أحياء دمشق القديمة، وهي تفترش الأرض ويرتمي في حضنها طفل مشوه لا يتجاوز العاشرة من عمره. يلقى الاستجداء صدى عند البعض فيرمون الليرات للصبي بينما يتجاهل آخرون المشهد الذي أصبح أقل من عادي في الأزقة والشوارع. مشهد متكرر أبطاله مرّة كهول، وأخرى أمهات، وغيرها أطفال يركضون ليمسحوا أحذية الكبار أو زجاج السيارت أو يبيعون العلكة. يكون المتسولون أحياناً بالغين لكن من ذوي الإعاقة يستجدون لقمة عيش على إشارات المرور وأبواب المساجد. ويقول نور ابن العشرين سنةً: «هكذا أكسب أكثر ومن دون منية من أحد»، «مستفيداً من تشوه خلقي رافقه منذ طفولته، وأدى إلى منعه من الحركة وأقعده في كرسي معدني، ويضيف: «هذا الحل الوحيد كي أعيل نفسي». مشهد قديم، جديده أن الطفل المعوّق، ليس ابن المتسولة التي تستعطف بحجته بل ابن «بالإيجار»، هو طفل عائلة أخرى لجأت إلى تأجير «الشفقة» التي يثيرها تشوه طفلها كي تقتات. وتقول أم أحمد وهي عاملة تنظيف في الأربعين من عمرها، تعمل في أحد المطاعم الكبيرة في دمشق: «جارتي تقبض 700 ليرة في اليوم مقابل تأجير ابنها ذي التشوه الخلقي مدة نصف يوم، والله منظر الطفل محزن وأولاد الحرام الذين يعرفون كيف يستغلون هذا التشوه، كثر». وتضيف بسخرية ان جارتها تجني من وراء ابنها ذي السنوات الخمس، «أكثر مما أقبض مقابل عمل ثماني ساعات في تنظيف المراحيض». وجه جديد من أوجه التسول، يجد طريقه إلى المجتمع السوري الذي يعيش يومياً أشكالاً مختلفة من هذه المشكلة الاجتماعية وبأساليب مبتكرة، طوّرها المتسولون ليتحايلوا على القانون وعلى فقر حالهم أيضاً. والمتسول وفق قانون العقوبات السوري، هو الذي يستجدي بالتهديد أو أعمال الشدّة أو بالتظاهر بجروح أو عاهات أو بالتنكر على أي شكل كان أو باستصحاب ولد غير ولده ممن هم دون السابعة من العمر، ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين مع التشغيل فضلاً عن وضعه في دار التشغيل إذا كان غير عاجز، وبالحبس البسيط للمدة نفسها إذا كان عاجزاً. ويعاقب القانون أيضاً كل من كانت له موارد أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل، واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان إمّا صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية بالحبس مع التشغيل لمدة شهر على الأقل وستة أشهر على الأكثر. وإذ يجد المشرّع السوري في المتسول خطراً على المجتمع يُعالَج بالعقاب والإبعاد، يشير بخجل إلى تدبير إصلاحي احترازي يتمثل بوضع المتسول في ما يسمى «دار التشغيل» التي تحولت في الواقع إلى مأوى لمن لا مأوى لهم، وانحرفت بالتالي عن الهدف الرئيسي بانتشال المتسولين والمشردين من أزمتهم وإعادة تأهيلهم ومساعدتهم على البدء من جديد من خلال بناء قدراتهم بما يتضمن توفير التعليم أو التدريب المهني. وتتداول وسائل الإعلام المحلية الكثير من الأنباء عن عثور الشرطة على عصابات محترفة تنظيم التسول، ومصادرة مبالغ خيالية بحوزة بعض أفرادها، أو عن اعترافات لعصابات تقوم بتشغيل الأطفال في بيع الدخان المهرب أو التظاهر بالإعاقة والمرض لكسب المال، من خلال الاحتيال واستغلال حاجة الأطفال الفقراء غالباً أو الذين هربوا من أسر مفككة وإقناعهم بالعمل كمتسولين بدخل مغرٍ يتجاوز ما يجنيه أي موظف سوري حكومي. وقد يذهب الأمر الى أبعد من الإقناع ليصل إلى الاختطاف وإجبار الطفل على التسول أو إيقاعه في شرك الإدمان لإجباره على الامتثال. ويعامل القانون السوري الحدث المتسول كجانح بحكم قانون الأحداث الجانحين ويُحال إما على دار التسول والتشرد أو على مراكز الأحداث إذا كان فوق سن المساءلة القانونية (10 سنوات)، وإذا كان أصغر فلا تدبير ولا عقوبة بحقه، الأمر الذي يشجع الكثيرين على استغلال صغر سن الأطفال وتشغليهم بمنأى عن أي تدخل وقائي لتفادي بؤرة الجنوح هذه. وتظهر تقارير التنمية البشرية الأخيرة، أن الفقر والبطالة من العقبات الرئيسة أمام عملية التنمية المحلية، وأن الكثير من السوريين يعيشيون تحت خط الفقر بينما تصل نسبة العاطلين من العمل إلى 20 في المئة. وتتولى الجمعيات الأهلية الخيرية مسؤولية تقديم المساعدة لبعض الأسر الفقيرة، ويبقى السؤال عن جدوى التصدي لظاهرة مثل التسول بتقديم الدعم القصير الأمد أو بمجرد معاقبة الضحية.