في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، غادر بلال البالغ 18 عاماً منزله في جنوب استوكهولم قائلاً لوالدته أنه ذاهب الى قاعة التدريب الرياضي وسيعود بعد قليل، لكنه لم يعد أبداً، إذ سافر الى سورية لينضم الى المجموعات الاسلامية المسلحة هناك، وفي أول معركة اشترك فيها سقط قتيلاً. ارتباط الحدث بموجة نقاش حول ظاهرة اشتراك شباب من دول أوروبية في الصراع الدائر في سورية والمخاطر المحتملة من قيامهم بعمليات ارهابية فيها بعيد عودتهم، دفع البرنامج السويدي «مهمة تحقيق» لمتابعة خطى رحلة بلال من السويد الى بلاد الشام ومحاولة التعرف الى الجهات التي جنّدته وما هي الأسباب التي تدفع شاباً نشأ وترعرع في السويد للإنضمام الى المجموعات المتشددة في بلد لا ينتمي اليه ليموت فيه؟ أسئلة اكتملت بآخرى ملتاعة طرحتها والدته أثناء مقابلتها: «لماذا أرسلوه الى الحرب هناك... أمر غريب فهو لا يعرف شيئاً عنها، من دور الحضانة السويدية الى مدارسها انتقل وعاش حياته هنا؟». لاقتفاء أثر بلال، تابع معدو البرنامج تحركاته قبل سفره فعَثروا على صورة له في «فايسبوك» سجلها بإسم آخر غير اسمه الحقيقي وعلى صفحته وجدوا فيديوات مصورة لمجموعة من الشبان تدعو أقرانهم باللغة السويدية الى الجهاد في سورية، كما لاحقوا آخر مكالماته الهاتفية ووجدوا أرقاماً لأشخاص يقيمون في السويد فحاولوا الاتصال بهم. لكنّ إجاباتهم كانت مبهمة إذ نفوا علمهم بتحركاته. فقط واحد من أصدقائه قال أنه أخبره بنيته السفر الى المغرب. وعلى مستوى العائلة أكد والداه أنه كان يتردد على جامع في منطقة شيرهولم بالقرب من استوكهولم وأنه كان يحضر دروساً ومحاضرات تقيمها جمعية اسلامية تطوعية وقد سبق له أن حضر بعض تلك المحاضرات، وأن أعضاء منها يدعون للجهاد ويمتدحون بن لادن وغيره من الدعاة المتشددين. وحين حاول البرنامج الاتصال بهم انكر هؤلاء معرفتهم بما جرى وقالوا أن لا صلة لهم بالحركات المتطرفة ولا يريدون أجراء مقابلات مع وسائل الاعلام. لم تحل محاولات الاتصال بمسؤولي الجمعية ولا بأصدقاء بلال لغز سفره المفاجئ، لكنّ الفيديو الخاص بتأبين شاب ثان من مدينة غوتنبرغ قُتل في سورية أخيراً، قاد البرنامج الى حقائق تتعلق بوجود تنظيم «سويدي» يدعو الى التطوع للجهاد في سورية، وأن ترتيب سفر بلال الى هناك قد تم منذ مدة وأحيط بسرية تامة، والمكالمة التي تلقتها عائلته من أحد المسلحين في سورية زفّ لهم فيها خبراً «ساراً» عن مقتل ابنهم في احدى المعارك مع الجيش السوري شرق مدينة حلب، حسمت الأمر. غير أنها لم تعط جواباً عن أسباب ذهاب بلال وغيره من الشباب الى مناطق الصراع. ولهذا توجه البرنامج الى بريطانيا التي تضم أكبر نسبة من المشاركين في الحرب السورية من مواطنيها بحسب احصائيات شبه مؤكدة، وأجرى مجموعة مقابلات مع جمعيات وضعت من بين أهدافها الحدّ من تورط الشباب في الحروب أو انضمامهم الى تنظيمات متشددة. في نادي جمعية «أكتيف تشينج فونديشن» قال المتطوع محسن يوسف: «في هذه الجمعية نتعلم أشياء كثيرة ونقيم ورش عمل نشرح فيها الطرق التي يسلكها المتطرفون لكسب الشبيبة باسم الاسلام وكيف يلعبون على مشاعرهم بنقلهم الى مناطق أخرى مضطربة ليست لهم علاقة بها، وبذلك فهم يرسخون صورة عنا في العالم ك»ارهابيين». عائلة بلال المصدومة تعيش حالة من العزلة والقلق، ما حفّز البرنامج لمعرفة دور المؤسسات السويدية الرسمية في التخفيف من العبء النفسي الذي تعاني منه العائلة وخشيتها الحديث مع الآخرين عما جرى لولدها خوفاً من وصمهم ب«الإرهابيين» فرتب لقاءً مع رئيس قسم الدراسات في الكلية العسكرية ماغنوس رانستروب لفهم الدوافع الخفية لذهاب السويديين الى سورية وغيرها من البلدان والإجراءات التي يوفرها المجتمع لمساعدة عائلاتهم المنكوبة، إذ قال: «غالبية المنضمين الى الجماعات الارهابية هم من صغار السن عديمي الخبرة والتجربة ثم ان خلفياتهم وأصولهم غير سويدية. أكثرهم سريع التأثر ومضطرب وقد يكون من المجرمين الصغار. شخصيات ضعيفة عموماً يشكلون في ما بينهم ما يشبه «قبيلة» تؤمن بنظرية المؤامرة وتقسم العالم الى: «نحن» و«هم»». وعن المساعدة المطلوبة للعائلة، قال رانستروب بوضوح: «السياسيون لا يعملون الكثير في هذا المجال ولا يناقشون الأمر على المستوى الوطني لأنه ليس موضوعاً انتخابياً نافعاً لهم الى جانب حساسيته الشديدة».