يعتبر التسول قضيةً معقدة وشائكة نظراً إلى تشعباتها وتداخلها مع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، إضافةً إلى أنه عقبة في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويولد فكرة التحقير من شأن الطبيعة الإنسانية والوجود الإنساني، خصوصاً وأن العلماء يرون أن ما يعطى للمتسولين من مبالغ ماليه ليست في عداد الصدقات. وتجمع الدراسات في هذا الشأن على أن التسول مجرد أمر انبثق من الفقر، أو الحرمان، أو الإهمال ولكنه أيضاً يمثل نوعاً من الانحراف العابث من جانب أولئك الذين يتسولون بمحض إرادتهم وبشكلٍ دائم وبأسلوب احترافي. وبات التسول في شهر رمضان حرفة يشتغل فيها الكثير من الذين لا يرغبون في العمل الشريف، إضافة إلى أنهم شكلوا جماعاتٍ يتوزعون وينتشرون في مواقع معروفة، وابتكروا أساليب عدة في التسول. وعلى رغم تحذير المفتي العام في السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ من إعطاء الصدقات للمتسولين الذين يصطنعون العاهات ويعمدون إلى قطع أطرافهم لاستدرار العطف والشفقة أو يستأجرون الأطفال للتسول بهم، إلا أن المواطنين لازالوا يمدونهم بالمبالغ المالية، ظناً منهم أن أولئك من مستحقي الصدقة والإحسان. وفيما طالب المفتي العام في وقتٍ سابق من إدارات مكافحة التسول والجهات الأمنية محاربة هذه الظاهرة وعدم التساهل في الأخذ على أيدي المتسولين، إلا أن أعدادهم بدأت تتزايد يوماً بعد يوم، خصوصا في منطقة مكةالمكرمة. وأوضح الخبير الشرعي عطية الحارثي أن الإسلام يرفض التسول لعدم إدراك بعض الناس لقيمة العمل وعدم معرفتهم بمكانتهم في الأرض وأن الله فضلهم في القرآن الكريم، مرجعاً طرق الكثيرين باب التسول لعدم إدراكهم قيمتهم كبشر، «فاحترفوا مهنة التسول وأتقنوا أساليبها وإن كانت مذلة للنفس الإنسانية التي كرمها الله تعالى». وأضاف:« من هنا رفض الإسلام رفضاً قاطعاً التسول، وأعلى في الوقت نفسه من شأن العمل الشريف، وأياً كان نوع هذا العمل فهو خير عند الله من أن يمد الإنسان يده يطلب ويسأل الناس فإما أعطوه أو منعوه». وفيما بدأت أعداد كبيرة من المتسولين في تحديد مواقع عدة في مدينة جدة من خلال وضع «خطط إستراتيجية» للانتشار ومراقبة نقاط التجمع الكبيرة للمتسوقين للحصول على أكبر عددٍ ممكن من ذوي القلوب الرقيقة من المحسنين الذين يرتادون مواقع يعتبرها المتسولون مناطق جذب للأموال. وقال عدد من المواطنين الذين تحدثوا إلى «الحياة» عن ظاهرة التسول إن الآلاف من المتسولين خلال شهر رمضان يعملون طوال 24 ساعة في أماكن متفرقة من الشوارع العامة، خصوصاً عند الإشارات المرورية ومحطات البنزين والمراكز التجارية والمستشفيات. وأكدوا التزامهم بتحذير المفتى العام بمنع إعطاء الصدقات للمتسولين الذين يصطنعون العاهات أو يستأجرون الأطفال للتسول بهم، مشيرين إلى أن الكثير من الراغبين في الصدقات يذهبون إلى الجمعيات الخيرية.