على رغم أن تلفزيون فلسطين ضمّن خريطته الرمضانية المسلسلَ السوري «في حضرة الغياب» الذي يتناول سيرة الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، إلا أن هذا لم يشفع للمسلسل الذي تعرضه قنوات مصرية وسورية ولبنانية وأردنية وعراقية وغيرها، من حملة فلسطينية يقودها شباب ومثقفون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة «فايسبوك» ضده. وازدادت الحملة شراسة بعد عرض الحلقة الأولى من المسلسل، الذي أفاد أحمد درويش، شقيق الشاعر الكبير، أنه عرض السيناريو الخاص به على قيادات في السلطة الفلسطينية وأصدقاء لمحمود درويش، فلم يحركوا ساكناً أو يقدموا أي مبادرات في اتجاه إجراء تعديلات على السيناريو، خصوصاً ان الفلسطينيين يعدّون درويش رمزهم الثقافي الأول، ومنذ عامين بات يوم مولده يوماً للثقافة الفلسطينية. درويش، وكما أشار في تصريحات صحافية، أكد أنه قرأ مقاطع من السيناريو، وأن له ملاحظات عليه، لكنه عبَّر عن أمله في أن يخرج «في حضرة الغياب» بمستوى مقبول، وتمنى لو كان أول عمل تلفزيوني عن محمود درويش فلسطينياً خالصاً. وأشار الى أنه ليس بإمكان أسرة درويش الوقوف في وجه أي عمل عن الشاعر كونه شخصية عامة، ففلسطين عائلته الكبيرة، «وكان ينبغي أن تكون المبادرة إلى عمل كهذا من أصدقائه المقربين، وبخاصة المثقفين منهم». وفي وقت أعلن فيه مثقفون فلسطينيون في بيان نيتهم التظاهر ضد المسلسل خلال الأيام المقبلة، ومطالبة تلفزيون فلسطين بوقف بثه، أكد أحمد الحزوري، مدير عام تلفزيون فلسطين، أن بث المسلسل يأتي لحرص تلفزيون فلسطين على عرض أي دراما فلسطينية أو عربية تتعلق بالشأن الفلسطيني، «مع إدراكنا بأن قامة محمود درويش العالية لا يمكن تجسيدها عبر مسلسل تلفزيوني، وبأنه مهما كان مستوى العمل، فإن هذه القامة لم ولن تهتز، فهو أكبر من كل الأعمال». من جهة أخرى، أعلنت «مؤسسة محمود درويش»، ومقرها رام الله، ثانيَ أيام شهر رمضان المبارك، أن لا علاقة لها بمسلسل «في حضرة الغياب»، الذي يبث على عدد من الفضائيات العربية. وقالت المؤسسة في بيان صدر عنها وتلقت «الحياة» نسخة عنه، إن «المسلسل يعتبر إساءة للشاعر وصورته وحضوره في الوعي الثقافي العربي والإنساني، وهو الموقف الذي أبلغته المؤسسة بوضوح للقائمين على إنتاج المسلسل، والذي تعود لتأكيده عبر دعوتها إلى وقف عرض حلقات العمل المذكور». وقالت المؤسسة في بيانها، إن «غياب القوانين الخاصة بحقوق الملكية الفكرية وضعف العمل في التشريعات المتعلقة بالحقوق الثقافية، والارتجال والخفة في تناول حياة ومنجز أعلام الفكر والثقافة في منطقتنا، إضافة إلى أسباب أخرى، هو الذي سمح بتجرّؤ البعض على إرث الراحل الكبير، سواء عبر انتحال حضوره على الشاشة أم من خلال الالتفاف على اسمه وموقعه بالوسائل المكتوبة والمرئية والمسموعة، وهو ما ستعمل المؤسسة على التصدي له في إطار القوانين والأعراف المرعية». وعلى موقع التواصل الاجتماعي الالكتروني الأشهر «فايسبوك»، تكاتفت مجموعات أنشأها شباب فلسطينيون ومثقفون غاضبون، ضد مسلسل «في حضرة الغياب»، رافعين شعار «أنقذوا محمود درويش»، قبل أن تنضم إليهم مجموعات سورية، أبرزها مجموعة «أغلظ 100 شخصية سورية»، واتفقوا على أن الممثل السوري فراس إبراهيم لا يملك الأدوات الفنية والإمكانات ليجسد شخصية درويش، وأنه بأمواله كمنتج بات يقتحم مساحات فنية أكبر منه بكثير. بل إن أحد رواد المجموعة السورية قال له من دون مواربة: «لتترك محمود درويش يرتاح في قبره... العب كما شئت بعيداً عن قبر درويش... لا تقلقه في منامه الأزلي». وكتبت الإعلامية والناشطة أسماء الغول على مدونتها: «لم أصدق عيني من حجم التفاهة والمغالطات التي عرضها المسلسل في أولى حلقاته، فما بالكم في الحلقات التالية؟! بصراحة أنا أمسك نفسي غصباً عنها كي لا أطلق أقذع الشتائم على أنزور وفراس والمال الذي يدعم المسلسل، لذلك سأكتفي بسؤال بسيط لكل انسان جاء ذكره في المسلسل: كيف تسكتون على هذه المغالطات والتشويه المتعمد لشخص محمود العظيم؟ محمودنا نحن... وليس ملكاً لسورية ووزاراتها التي يشكرها المسلسل وزارة وزارة». ولم يكتف مثقفون عبر «فايسبوك» بالحديث عن تظاهرة مرتقبة ضد عرض المسلسل على شاشة تلفزيون فلسطين. وجاء في بيان لهم تناولته مجموعات معارضة للمسلسل: «نحن الموقعين أدناه من مثقفين ومواطنين وقراء وناشطين في المجالين الأدبي والثقافي في فلسطين والعالم العربي والعالم، ندعو تلفزيون فلسطين إلى وقف عرض مهزلة مسلسل فراس إبراهيم، ذي الطابع التجاري الذي يسيء في شكل مخز إلى صورة العظيم محمود وحقيقة حياته، ونبدي استغرابنا الغاضب من تورط تلفزيون فلسطين في عرض هذا المسلسل الذي تم التحذير من أهدافه ودوافعه التجارية منذ أشهر. كما ندين تورط الفنان مارسيل خليفة والكاتب حسن يوسف والمخرج نجدة أنزور في هذا العمل السطحي».