لم تمض أيام على بدء عرض المسلسلات الرمضانية حتى ظهرت على الساحة إشكاليات خلفتها هذه الأعمال فهناك العديد من الجهات التي طالبت بوقف عرض مسلسل «الحسن والحسين» بينما لقي القدر الأكبر من المعارضة في بثه مسلسل «في حضرة الغياب» هذا العمل الذي جسّد بعضًا من حياة الشاعر الراحل محمود درويش والمسلسل من إنتاج وبطولة السوري فراس إبراهيم وسلاف فواخرجي التي أدت دور «ريتا»، ومن مصر أحمد زاهر وميرنا المهندس، ومن إخراج نجدت أنزور. وقد وصلت النقمة على هذا العمل درجة الاعتصام الذي قام بتنظيمه ضد هذا المسلسل عدد من الكُتّاب والمثقفين من الشباب الفلسطيني أمام مبنى التلفزيون في رام الله وكانت مطالب المعتصمين تتجسّد في الوقف الفوري للعمل كونه يسيء لشاعر المقاومة حسب رأيهم. وكانت مؤسّسة محمود درويش الفلسطينيّة، قد أصدرت بيانًا على صفحتها الرسمية على «الفيس بوك» نفت فيه صلتها بالمسلسل السوري «في حضرة الغياب» الذي ظهر على العديد من شاشات القنوات الفضائية العربية هذا الشهر، وعلى رأسهم قناة فلسطين، وأكد بيان المؤسسة أن المسلسل يسيء للشاعر وصورته وحضوره في العالم الثقافي العربي. ودعت المؤسّسة في بيانها نفسه كافة القائمين على هذا المسلسل، بالتوقف عن عرضه، موضحة أنها ستعمل على التصدي لكافة محاولات التعدي على حقوق الملكية الفكرية الناتجة عن ضعف العمل بالتشريعات المتعلّقة بالحقوق الثقافية، مما أدى إلى التجرؤ على إرث الراحل الكبير سواء عبر انتحال حضوره على الشاشة أو من خلال الالتفاف على اسمه وموقعه على الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة كما وجهت انتقادات أخرى للعمل منها أن نص المسلسل قد حمل الكثير من التحريف في حياة الشاعر محمود درويش، إذ صوّره على أنه «زير نساء»؛ بينما عُرف عنه اتزانه وأخلاقه، إضافة أن الممثل فراس إبراهيم لم يظهر بالإمكانية المناسبة لتجسيد دور درويش وفشل فيه رغم أنه حاول تقمّص الشخصية سواء في محاولة أداء القصائد أو حتى في الروح التي تمتع بها الراحل؛ لكن الكثيرين لم يعجبهم هذا الأداء خاصةً وأن محمود درويش يعتبر رمزًا كبيرًا للأدب العربي والشعر. ومن المعروف عمومًا أن مثل هذه الإشكاليات بالنسبة للأعمال التي تجسّد السيرة الذاتية للأدباء والمشاهير لم تجد الاحتجاجات عليها أي أذن صاغية سواء فيما يتعلق بحقوق الملكية أو مشكلة الإساءة للشخص الذي جسّدت سيرته ولعل أكثر هذه الأعمال التي عانت من هذه الإشكاليات كان مسلسل نزار قباني ومسلسل أسمهان وهذا الأخير هو لنفس منتج وممثل في حضرة الغياب فراس إبراهيم. أما السبب الأهم في عدم جدوى أي احتجاج بالنسبة لأعمال السير الشخصية فربما هو عائد لما تعاني منه قوانين الملكية الفكرية من عقم في التفسير والتنفيذ في سورية؛ حيث تم لحظ هذا الموضوع من خلال مسلسل نزار قباني الذي شهد أكبر خلافات لعمل فني، وكان الورثة قد حصلوا على حكم قضائي بإيقافه إلا أن العرض استمر ولم يؤخذ الحكم بعين الاعتبار. أيضًا الاحتجاجات والامتعاضات التي طالت مسلسل أسمهان لم تستطع إيقاف عرضه. على أن هذا النوع من الانتقادات والإشكاليات التي تحصل كعادة ما تعطي دفعًا وحافزًا للجمهور لمشاهدة تلك الأعمال ذلك رغم فشلها وعدم رقيها للوصل لتجسيد المبدعين، كما أنها لم تستطع أن تقدم واقعًا تاريخيًا بشكل حقيقي لأن هذا بحاجة لمؤرخين لتلك الفترة ولتضافر عوامل عدة للوصل للحقيقة أو ما يشبه الحقيقة في تاريخ قريب من المعاصرة. وكما ذكرنا لم تفلح الاعتصامات والمطالبات بوقف العمل في فلسطين حيث صرح أحمد الحزوري، مدير عام تلفزيون فلسطين، أن بث المسلسل يأتي لحرص تلفزيون فلسطين على عرض أي دراما فلسطينية أو عربية تتعلق بالشأن الفلسطيني، وأضاف الحزوري: «إن إدراكنا بأن قامة محمود درويش العالية لا يمكن تجسيدها عبر مسلسل تلفزيوني، وبأنه مهما كان مستوى العمل، فإن هذه القامة لم ولن تهتز، فهو أكبر من كل الأعمال». وعن العمل أفاد أحمد درويش، شقيق الشاعر، أن سيناريو هذا العمل قد عُرض على قيادات في السلطة الفلسطينية وأصدقاء لمحمود درويش، فلم يحركوا ساكنًا أو يقدموا أي مبادرات في اتجاه إجراء تعديلات عليه أو تغيير، خصوصًا أن الفلسطينيين يعدّون «درويش» رمزهم الثقافي الأوّل، ومنذ عامين بات يوم مولده يومًا للثقافة الفلسطينية. وأضاف أحمد درويش قائلًا: لقد قرأت سابقًا مقاطع من السيناريو المسلسل، وكان لي ملاحظات عليه، لكني اعتقدت بأنه سيخرج بمستوى مقبول، وكنت أتمنى لو كان أول عمل تلفزيوني عن محمود درويش فلسطينيًا خالصًا، ونحن كأسرة درويش لم يكن بإمكاننا الوقوف في وجه أي عمل عن الشاعر لأنه شخصية عامة، ففلسطين عائلته الكبيرة، وكان ينبغي أن تكون المبادرة إلى عمل كهذا من أصدقائه المقربين، وبخاصة المثقفين منهم. أما منتج وبطل العمل فراس إبراهيم فقد دافع عن العمل، مرجعًا الهجوم على المسلسل لأسباب سياسية، ويكشف عن ذلك بقوله: إن هذا العمل ساعدني في تخطّي السقف الذي ظن بعض النقاد أنني قد وصلت إليه بعد عشرين عامًا في العمل في الدراما ونحن قدمنا الشخصية بالمسلسل ولم نكن نريد أن نقدمها ملاكًا بل إنسانًا، أما فيما يتعلق بالهجمة على هذا العمل من مؤسسة درويش فهي حملة بدأتها مؤسسة محمود درويش في مدينة رام اللهالفلسطينية ضد المسلسل بشكل استباقي ومفتعل أسبابها سياسية وشخصية ولا علاقة لها بالعمل والدليل هو أن البيان الصارخ صدر عن المؤسسة بعد الحلقة الأولى مباشرة، مما يدل على أن البيان تمت صياغته قبل بدء عرض العمل وهو ما يفقده مصداقيته ومنطقيته لأن فريق عمل مؤلف من 600 شخص بين فنان وفني وتقنى لا يمكن قصر جهدهم على مدى 3 سنوات لإنتاج قصيدة حب لمحمود درويش لا يمكن اختصار مجهودهم في حلقة أولى. وختم فراس كلامه قائلًا: حتى لا نقع في فخ مصادرة آراء الآخرين نتمنى أن يتابع من يعترضون العمل حتى نهايته، وعندها نتقبّل الانتقاد قبل المديح.