توقعات وتصريحات «متشائمة» تطلق حول موسم الاصطياف في لبنان، هذا الموسم الذي يعوّل عليه كثيرون من اللبنانيين، نتيجة ازدياد عدد السياح وخصوصاً العرب منهم. والمبادرات لم تستطع بعد بعث الطمأنينة إلى أن الموسم السياحيّ سيمر بخير، وكثير من الفنادق كما المطاعم حوّل إستراتيجيات الجذب إلى الطبقة المتوسطة من اللبنانيين بعدما تقلّص الأمل كثيراً بإمكان جذب السياح وخصوصاً العرب منهم. فالأردنيون على سبيل المثال أسقطوا خيار السياحة في لبنان بسبب تعذّر وصولهم إليه عبر سورية، والسعوديون كما الإماراتيون والقطريون والكويتيون يتجهون إلى البلاد الأوروبية ويفضّلون البقاء بعيدين عن لبنان خصوصاً في ظلّ ترّقب التداعيات السياسية والأمنية للقرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إضافة إلى تزامن حلول شهر رمضان المبارك مع بداية آب (أغسطس)، والتي تؤدي إلى تراجع الحركة السياحية العربية بشكل خاص، إذ يفضّل السياح العرب البقاء في بلادهم أثناء فترة الصيام. ووسط هذه الحال من الركود، لا يبقى للمستثمرين في القطاع السياحيّ في لبنان إلا التطّلع إلى اللبنانيين أنفسهم بهدف حضهم على الخروج من منازلهم، ودفعهم إلى التخلّي عن سياسة التقشّف التي تحكم الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات. إلا أنّ اللبنانيين يبحثون أيضاً عمّا يجذبهم خصوصاً أنّ اهتمامهم ينصب على الأماكن التي يمكن الترفيه فيها بأقلّ كلفة ممكنة. وانطلاقاً من هذا المبدأ أصبحت كثرة من الأماكن في لبنان غير مناسبة لسياحة العائلات، ويقول جورج، الأب لأربعة أطفال، إن من المستحيل أن يزور وعائلته منطقة وسط بيروت، ويرى أنّها مخصّصة للطبقة المترفة أو السياح الأجانب. وفي عملية حسابية للمصاريف التي يمكن أن يتكبّدها في حال قضاء يوم في هذه المنطقة، يؤكد جورج أنّ الحدّ الأدنى هو 100 دولار أميركيّ في حال أراد إطعام أولاده عند وقت الغداء وشراء بعض الألعاب لهم ليستمتعوا بنهارهم. والحسابات نفسها تطاول المراكز التجارية الكبرى أو «المولات» حيث تكثر المغريات أمام أطفال جورج وهو سيضطر إلى رفض طلباتهم بسبب محدودية قدرته الاقتصادية. والحلّ بالنسبة إليه، اصطحاب أولاده إلى المهرجانات الكثيرة التي تُقام في المناطق اللبنانية والتي يكون كثير منها مجانياً ويمكن للأطفال ممارسة العديد من النشاطات من دون الاضطرار إلى دفع مبالغ عالية. وتعتبر كثرة من العائلات اللبنانية المهرجانات خياراً لقضاء أوقات جميلة، في وقت يصعب الذهاب إلى أماكن أخرى. ويتراوح عدد زوّار بعض المهرجانات بين 30 و50 ألف شخص، ما يظهر رغبة الأسر بالاستمتاع بفصل الصيف ولكن من دون تكبّد التكاليف العالية. والمهرجانات التي انطلقت حتّى اليوم في العديد من المحافظات كانت بدايتها موفّقة، وغالباً ما يعوّل اللبنانيون على المهرجانات الكبيرة ك «بيت الدين» و «جبيل» و «بعلبك» التي تستضيف العديد من الفنّانين العالميين... بأسعار معقولة، فيما تكون أسعار حفلاتهم الخاصة خيالية يصل بعضها إلى حوالى 500 دولار أميركيّ. وباتت العائلات اللبنانية تتجه أكثر فأكثر إلى السياحة الطبيعية، بعد أن أصبحت المساحات الخضر من جبال ووديان الأماكن الوحيدة التي تبقى فاتحة أبوابها للمواطنين من مختلف الطبقات الاجتماعية. ويؤكد خليل فريحات، أحد منظميّ رحلات أسبوعية للعائلات إلى أماكن طبيعية مثل جبل الأرز أو جبل موسى أو المحميات الطبيعية وصولاً إلى وادي قنوبين وغيره من الوديان، أنّ الطلب على هذا النوع من السياحة يزداد من قبل اللبنانيين. ويعزو فريحات نجاح مثل هذه الرحلات إلى التكلفة المعتدلة إذ يمكن لأسرة مؤلفة من أربعة أشخاص أن تقضي نهاراً كاملاً في أحضان الطبيعة وزيارة أماكن مميّزة بتكلفة لا تزيد عن 60 دولاراً أميركيّاً، ويمكن للأفراد حمل المأكولات وغيرها من مستلزمات الرحلة معهم من دون حاجتهم إلى ارتياد المطاعم في حال لم تسمح إمكاناتهم بذلك. وإن وجدت بعض العائلات اللبنانية في هذه الرحلات متنفساً لقضاء فصل الصيف، تبقى الأزمة الأكبر مرتبطة بالفنادق والمطاعم التي إن لم يتمّ إنقاذها من حال الركود، ستأتي نتائجها مدمّرة على الأسرة اللبنانية في حال تمّ صرف الموّظفين وإقفال هذه المؤسسات.