البيت هو البيت. تقع شقتنا في الطبقة الثانية منه. في الطبقة الأولى تسكن الخالة قمر. وأنا لم أدخل المدرسة بعد. ألهو مع الأطفال طوال النهار. أرى الرجال يدورون حول بيتنا. يرقبون الخالة قمر في حركتها حين تنظر من نافذتها بينما ألهو مع الأطفال من دون أن أعبأ بهم. الخالة قمر تنظر من نافذتها كالبدر بكامل زينتها من دون أن تلتفت إلى أحد. تناديني بصوتها الجميل فأجري نحوها. تطلب مني أن أشتري لها «طلباً». أغيب للحظات وأعود به ويكون بعض الرجال لا يزالون يطوفون حول البيت لينعموا بنظرة منها. أعطيها ما طلبت فتترك لي ما تبقى من نقود. وأعود إلى اللعب. لم يتغير شيء. البيت هو البيت. في عودتي من المدرسة أمُر على الخالة قمر. أرى باب شقتها موارباً. تشعر بي حين أدخل وتناديني: تعال. أهرول بالدخول. وتكون هي قد أعدت لي طبق المشمشية الذي أحبه. أتناوله بنهم. تصمت للحظة وتسألني: أختك الصغيرة حاتتجوز؟ أهز رأسي ولا أتكلم. تشرد هي للحظة وتقول: عرسان كتير طلبوا إيدي. كنت أرفض. والعمر بيجري. مع الوقت بيتغيروا. الأول كانوا عزاب. دلوقتي يا مطلق يا عنده عيال. أمد يدي بالطبق فارغاً. تأخذه مني من دون أن تنظر إليَ. تضعه بالقرب منها وتقول: تاخد واحد تاني؟ وأجيب بالرفض. تتبعني إلى الباب. أصعد درجات السلم إلى شقتنا وتكون هي قد أغلقت بابها خلفي. لم يتغير شيء. البيت هو البيت. غير أن أضواء المصابيح اليوم التي زينت البيت والتي تممتُ عليها بنفسي هي التي غيرته. فاليوم «دُخلتي». أضواء المصابيح فقط أضاءت البيت من دون أن تغير شيئاً. وباب الخالة قمر لا يزال موارباً كعادتها. شعرت بي حين دخلت. نادت عليَ كعادتها. فدخلت. همست لي: فرحك النهار ده. والله وكبرت وبقيت عريس. أومئ مبتسماً بلا رد. تبتسم هي في حزن وقد زادت تجاعيد وجهها: مفيش عرسان. ماعدش حد بييجي. في الآخر هاموت وحدي. أسكت. وتسكت. أسحب نفسي وأخرج. هذه المرة لم تغلق بابها خلفي. ظل موارباً. بالليل نُصب الشادر. أخذت مكاني جوار عروسي. وبدأ الفرح. ألمح من بعيد شباك الخالة قمر مفتوحاً وهي تنظر منه نحوي. أنشغل عنها بالنظر إلى المعازيم. تهدأ الحركة آخر الليل فأسحب عروسي ونمضي. لم يتغير شيء. البيت هو البيت. في الصباح جاءني الأهل. الصمت يخيم على الجميع. أخذت أمي جانباً وسألتُها. لم ترد وظلت صامتة. صوت أختي بدد الصمت حين قالت: الخالة قمر تعيش انت... ماتت بالليل. جلست وجلس الجميع. وعاد الصمت بيننا يسود. غير أن صوتاً واحداً ظل يتردد في أذني هو صوت الخالة قمر.