كل صبح كانت تفتح نافذتها على مصرعها، تغمض عينيها وتشم هواء الصباح بعمق، إلا هذا الصباح، لم تغمض عينيها منذ ليلة البارحة، حين قال لها: @ من أنت حتى تطردين أختي من البيت؟ نظرت إليه مندهشة.. أشرت بسبابتها إلى صدرها ونطقت: - أنا؟!!!.. @ ومن غيرك أيتها الغبية؟ كانت عيناه تقدح شراً، حاولت أن تهدئ من روعه لتستوعب الأمر، لم يكن يدرك هو ما يقول، شعرت بذلك ففي بداية رحيل شمس أمس كان يقبل جبينها وهو خارج لقضاء عمل ما أو لقضاء سهرة مع أصدقائه، أعطته وردة بيضاء، قربها إلى أنفه وأغمض عينيه بنشوى، قبل جبينها ثم وضع الوردة البيضاء على المنضدة ليعدل هندامه وخرج بعدما أغرق وجهها بابتسامته التي تخلبها، ونسي الوردة البيضاء على المنضدة. غالبت خيانة أدمعها في مثل هذه المواقف، حين تشعر بالظلم يحيطها، جلس على المقعد بعدما خلع غترته البيضاء من رأسه ورماها خلفه بعصبية لتسقط في الحيز الذي بين الجدار والمقعد، أوسد وجهه بين يديه وكأنه ينتظر أن تدافع عن نفسها، جلست تحت مقعده، وضعت يديها على ركبتيه وقالت بحنو: @لا تتسرع علي بالحكم أرجوك.. مسحت دمعة غالبت نطق أحرفها وأكملت: @ أنا لم أطرد أختك من الدار، ورب الكعبة لم أطردها، وكيف أطردها وهي لم تأت إلى هنا استقامت واقفة، وضعت يدها على رأسه لترفعه، ثقل على يديها رأسه وقال دون أن يهز رأسه: @ ألم تتصل عليك هذا المساء لتخبرك بزيارتها لنا؟ - نعم هاتفتني.. ولكن -قلت لها لا.. لاتأتين - لم أقل هذا... تعالى لحظتها رنين جهازه المحمول، سل يده إلى جيبه وأخرج الجهاز، نظر إلى اسم المتصل، ثم نظر إليها وقال بعصبية شديدة: @ ها هي تتصل.. ماذا أقول لها... وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة أكمل: @ غداً ستسافر مع زوجها لقضاء إجازة الصيف وكانت تأمل أن ترانا قبل سفرها.. سكت رنين جهازه ليعاود دس رأسه بين يديه ويطيل النظر إلى الأرض وسط صمت رهيب بينهما. لم يكن الموقف بكل تفاصيله يحتمل كل هذا، اخته التي تكبره بثلاث سنوات لم تتزوج إلا حينما أوشك عمرها أن يتجاوز الثلاثين عاماً، وزوجته في عز صباها لم تكمل بعد الرابعة والعشرين عاماً، ومن هنا بدأت الغيرة تشتعل في قلب أخته، ما يشد على غرابة ما حدث أن تلك الأخت حضرت زفاف أخت صديقتها في الجامعة ولفت نظرها تلك الفتاة الجميلة الخجولة الجالسة بجانب أمها، سألت عنها وأخبرت أخيها عنها لتكون زوجة له، وتوالت الأيام والشعور من بعدها بسرعة لتصبح تلك الفتاة الخجولة هي زوجة أخيها الذي أحبها بكل حواسه. كانت أخته تشعر بنقص في حياتها، وتهاب الكل، ولم تهدأ حالتها حتى بعدما تزوجت من رجل أكبر منها بعشر سنوات، وما زاد الأمر على حالتها النفسية سوءاً أن السنة الثالثة من زواجها ولم تنجب وأخوها الأصغر منها لديه طفل، وحين كشفت عند عدة أطباء أخبروها بأن عندها خلل في غدة الهيبوثالاموس، وأنها لا تستطيع الانجاب، وحين حملت زوجة أخيها قلبت الدنيا رأساً على عقب، فبدأت تتصيد كل زلة وتكيل الاتهامات عليها ولأخيها وحين وضعت لم تزرها وتهنئها بالمولود الجديد، وإنما اكتفت بكلمات عابرة لأخيرها. وذات يوم أصر أخوها أن تزوره في البيت وترى ابنه قبلت على مضض، جلبت معها هدية صغيرة، ودخلت بيت أخيها بوجه مكفهر، رحب بها أخوها كثيراً وما لبث أن خرج من الدار ليتيح لها فرصة الإنفراد، وفي المساء عاد أخوها ليجدها قد غادرت بيته، وما أن جلس حتى رن هاتفه النقال وكان صوت أخته، كانت تبكي وقالت له أن زوجته تنظر إليها نظرات الشفقة، وأنها لمزت كثيراً بكلماتها، أطبق عليه الصمت، ولم يخبر زوجته بما دار في مكالمة أخته، فشعوره بالفرح بمولوده. وذات يوم حين لم تر رد فعل من أخيها حول مكالمتها الأخيرة، عاودت الاتصال بأخيها لتلفق عليه بكلمات لم تنطقها زوجته قالت له أن زوجتك تقول عنك أنك ضعيف الشخصية وأنها سيطرت عليك بهذا المولود، تقبل أخوها كلماتها وأسمنها صدره ولم ينطق لزوجته بها، حتى أتى ذلك اليوم الذي اتصلت عليه أخته وقالت له، إن زوجتك لم ترحب بمكالمتي لزيارتها قبل سفري، وأنها قالت أن عندها موعداً لطفلها، وهي كاذبة، حتى لو كان عندها موعد لم تحدد موعداً آخر، وبدأت تغدق عليه بأحاديث كثيرة قرابة الساعة الكاملة على الهاتف المحمول، وأصرت في حديثها أنها أخته وأنه يفضل عليها زوجته الغريبة، وهددته بأنها لن تحادثه مرة أخرى وتنسى أن لها أخاً، وفي نهاية المكالمة قالت إن زوجتك صادقة حين قالت أنها الكل وأنك ضعيف الشخصية، وأنهت مكالمتها، ترك الأخ عمله واتجه إلى داره غاضباً، وقد تراكمت عليه كل الأحداث السابقة لتنفجر مرة واحدة حين دخوله للدار سألها بغضب عن سبب طرد أخته، وتمادى الحديث بينهما كثيراً ليفضح لها صمته الساكن بصدره منذ أمد بعيد، لم يتمالك نفسه، وقبل أن يخرج من الدار نظر إلى زوجته، أطلق عليها كلمة الطلاق دون أن يتمكن من كظم غيظة أو يدرك ما يقول. نام تلك الليلة عند أخته التي كانت في قمة فرحها، واهتمت فيه كثيراً بعدما حكى لها ما حصل، وفي الصباح عاد إلى رشده من تفكيره طوال ليلة البارحة، ذهب إلى داره ولم يجدها، حينها اتصلت عليه أخته وبكلمات تتبع حنان أجبرته أن لا يذهب إليها في دار أبيها مضى أكثر من سبعة أيام، وهو يتردد على بيت أخته التي تغيرت تغيراً جذرياً، وبدأت تشعر بالضيف من وجوده، فكانت تتحدث مع أخيها عن زوجها المتعب من العمل، وأنه لا يرضى أن تترك داره ولكنه يشعر أنه لا يرتاح في داره، فهم الأخ كل شيء، وعاد إلى داره كسيراً، كان الدار خالياً، لبث فيه عدة ساعات، لم يطق الوحدة التي تهيم في داره وقرر أخيراً أن يذهب إلى زوجته. استقبله أبوها الذي كان مبتسماً حين رآه، حاول الأخ أن يفهم أبيها عن تعجله في نطق الكلمات، وعن أسفه الشديد لما حصل، تقبل الأب منه كل الكلمات واستأذنه ليخبر ابنته عن زيارته، لحظات طالت وهو ينظر إلى السقف تارة وإلى الباب تارة ينتظر أن تأتي زوجته حاضنة ابنه، ما لبث أن دخل عليه أبيها، وبهدوء أفهمه أن البنت لا تريد الرجوع للبيت، وأن أخته قد سيطرت عليه لدرجة أنه يصدقها ويكذب زوجته، حاول الأخ بكل الوسائل أن يقنع أبيها بأنه تغير وأصبح إنساناً آخر، وأنه لن يسمع لأخته فيما يخص حياته الخاصة، ومثلما دخل خرج.. اتصل على اخته، ولم تجب، ذهب إليها إلى الدار فأخبره السائق الخاص بأخته أن أخته قد سافرت مع زوجها، استدار، ترك بيت أخته خلفه، رفع رأسه إلى السماء، عاتب نفسه كثيراً على سماعه لأخته، وقبل أن يركب سيارته قال لنفسه، حين أكون رجلاً لا يسمع كلام النساء ستعود زوجتي.. ولم تعد زوجته!! www.tefaseel.com