محافظتا حماة ودير الزور شبه محررتين. حمص تقاوم الفتنة بدماء أبنائها، وهي في طريقها إلى الحرية. الشبيحة وقوات الأمن الموالية للنظام تسابق الزمن لإخماد ما يمكن إخماده قبل حلول شهر رمضان، إذ من المتوقع أن تتعاظم الحشود في المساجد والساحات. أهالي حماة عام 2011 يختلفون عن أهاليها عام 1982، لكن لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيقوم به «المحفل الأسدي». «الحمويون الجدد» تمكنوا من تحصين مدينتهم من خلال تقطيع الشوارع، ونصب الحواجز وإدارة الحياة المدنية في المدينة. الحماصنة (أهل حمص)، وهم أهل نكتة قاوموا قوات الأمن والشبيحة بمدافع مصنوعة من أنابيب تصريف دخان المدافئ (بواري الصوبيات) وقذائفها من التفاح والبصل، كما استخدموا رصاصاً مصنوعاً من البامية، ورمانات يدوية مصنوعة من البندورة. أخوان بطة (وهو اللقب المحبب لأهالي محافظة دير الزور)، قاوموا قوات الأمن العسكري بالشعر والنكات والمسرحيات المرتجلة في الميادين وساحات التجمع، لكن لا أحد يمكن أن يتنبأ بما سيفعله مثلث الأسد، شاليش مخلوف. المحفل الأسدي، يعلم أنه لن تكون هناك انشقاقات مؤثرة داخل صفوف الجيش، وذلك لأنه عزل الجيش السوري عما يجري على الأرض، وتركه يتلقى الأخبار من قنوات النظام، ولم يستخدم النظام سوى القوات الموالية له لقمع المتظاهرين، وهي: القوات الخاصة والفرقة الرابعة ومجاميع من الفرقة الثالثة عشر، بحسب بعض الناشطين، وجميعها قوات أسست لحفظ «المحفل الأسدي»، وأغلب قادتها وعناصرها من الدائرة القريبة من النظام، وهي دائرة مستفيدة من بقاء النظام، وبالتالي ستدافع عنه ولو أبادت مدن بأكملها، لكن النظام يدرك أن «السوريين الجدد» لا يمكن أن يتراجعوا عن ثورتهم وإن أبيد نصف سكان سورية. السوريون الجدد، وأغلبهم لم يعرف رئيساً لبلاده سوى عائلة الأسد، ماضون في ثورتهم ولسان حالهم يقول: «لا بد من دمشق وإن طال القهر»، إذ ليس لدى شبان سورية ما يخسرونه، وهم يرون السفارة الإيرانية والمكاتب التابعة لها، تحتل أجمل الأماكن في العاصمة دمشق وأكثرها رسوخاً في الذاكرة السورية. الفجوة بين «السوريون الجدد» والنظام لا يمكن ردمها بحوار شكلي وإصلاحات ليس لها وجود على أرض تعمدت بالدم السوري الطاهر. الثورة السورية تعمدت بالدم منذ يومها الأول، وهي أعادت الذاكرة السورية إلى مربع الدم الأول من دون أن تحيي ذاكرة الثأر والانتقام. السوريون الجدد أكثر وعياً من النظام، حيث أصروا على سلمية ثورتهم على الرغم من المشاهد الدامية والمؤلمة، كما تمكنوا من رص النسيج الاجتماعي السوري، ووأدوا الفتنة التي حاول النظام إذكاءها مرات عدة. حاول النظام تلطيخ وجه الثورة السورية السلمية، من خلال غض الطرف عن زيارة سفيري الولاياتالمتحدة وفرنسا إلى حماة، فأدار المتظاهرون للسفيرين ظهورهم، وانقلب السحر على الساحر، وكادت الزيارة أن تتحول إلى أزمة ديبلوماسية. زار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية دمشق، وقال كلمته غير الموفقة، فخرج المتظاهرون في كفر نبل في اليوم التالي وهم يحملون يافطات كتب عليها: «لا نبيل ولا عربي». السوريون الجدد حصنوا ثورتهم، وتمسكوا بوحدتهم الوطنية، وهم لا بد وأن يصلوا بثورتهم إلى مبتغاها، إذا ما أصرت معارضتهم في الداخل والخارج على رفض التدخل الخارجي. على شبان سورية المحتجين وكذا المعارضة السورية أن لا يعولوا كثيراً على المواقف الإقليمية والدولية، وهي مواقف ستتغير في القريب العاجل لصالح الثورة السورية، إلا أن على الشبان السوريين أن لا يدعوا الولاياتالمتحدة تسرق ثورتهم، فالأميركيون يتحدثون عن ساسة «الباب الموارب» مع نظام الأسد وتغيير النظام من الداخل، وهو ما يعني الالتفاف على الثورة من جهة، وتأمين مصلحة أميركا من جهة ثانية، وعلى السوريين الجدد أن يدركوا أنهم لم يثوروا على نظامهم من أجل تأمين مصالح الولاياتالمتحدة، بل من أجل حريتهم وكرامتهم.