الأسعار الفلكية العالمية في المزادات والتظاهرات التي يتقاطر عليها أصحاب المجموعات الموسرين، والتي ابتدأت بتنين الفن المعاصر الصيني خلال السنوات القريبة، أعقبها في الأشهر الأخيرة وصول أخطبوط الفن المعاصر الهندي بدوره إلى الشيوع والغلاء الجنوني في سباق المزادات العالمية، بخاصة في أوروبا والولايات المتحدة وبعض مدن الخليج العربي، مثل الدوحة ودبي. لهذا الانفجار علاقة عضوية أكيدة بما يُطلق عليه منذ الثمانينات «ظاهرة الأغنياء الجدد» في الصين والهند، روسيا والبرازيل. بما أننا بصدد الحديث عن الهند، فتشتمل على سبعين ألفاً من المليونيرية والمليارديرية، في حين أن أغلب طبقات الشعب مازال يعاني من شح دخله (الى دولار في اليوم) بما يعتبر تحت خط الفقر. المحللون الاقتصاديون في الهند يدّعون أن الأيام المقبلة كفيلة، بسبب الانفجار الازدهاري الاقتصادي الجديد، في تحسين حال أغلب الطبقات رغم الانفجار الديموغرافي. أما طبقة الفنانين الشباب المشهورين، فقد تحسن حالهم فعلاً، وأصبحوا أقرب إلى النخبة الاقتصادية المذكورة منهم إلى نموذجهم المعدم في أوروبا (فان غوغ أو سيزان وسواهما)، فقد عودتنا أرقام مبيعات بعض أسمائهم على عشرات الملايين من الدولارات، بخاصة الذين يتهافت أصحاب المجموعات على ضمها إلى مقتنياتهم، ويتفاخرون وطنياً وعولمياً بالاستحواذ عليها واحتكارها. يظهر لنا كل يوم نجم جديد من فناني المعاصرة الشباب أصحاب الأسعار الفلكية، ومن أشهر هؤلاء عالمياً: أنيش كابور، الذي يحتل معرضاً استعادياً في القصر الكبير في باريس تحت عنوان «نصبية»، بمعنى عملقة المناخ البصري (غالباً بسيطرة اللون الأحمر) ليطوق المشاهد بتأثرات إسقاطيّة وإشعاعية مبرمجة متحولة. هو الذي ابتدأت شهرته متخرجاً شاباً من الأكاديمية الملكية الإنكليزية، بعكس العديد من زملاء له مقيمين في باريس والذين شكلوا لفترة تاريخية جزءاً مما يعرف «بمدرسة باريس». ورثهم سيد حيدر، الباريسي الإقامة والذائقة. علينا أن نرجع إلى وراء قليلاً، إلى نهاية فترة حكم نهرو، الذي استلم مباشرة بعد الاستقلال عام 1947 وبدأ بالانفتاح الاقتصادي حتى وصل ذروته العولمية في عهد خليفته أنديرا غاندي، التي اغتيلت بعد أن تملكتها شجاعة إطلاق يد الاستثمار المطلق للقطاع الخاص، بما فيه ضمن مجال إنعاش الفنون» الرسم والموسيقى، المسرح والرقص والسينما». وأصبحت أشد المواقع التشكيلية سلطةً وكثافةَ استثمار عولمية، الصالات الخاصة الكبرى، وكذلك المتاحف وأصحاب المجموعات والمؤسسات الطموحة ثقافياً واستثمارياً، وعلى رأسها مؤسسة دوفي في دلهي (واحدة من المدن التي استقطبت الاستثمار الفني إلى جانب بومباي وكالكوتا). يشرف على هذه المؤسسة عائلة أصيلة من راجستان تعاقدت مع خمسة وأربعين فناناً تعرض أعمالهم في صالاتها الرحبة على طابقين (المساحة المخصصة للعرض تتجاوز سبعمئة متر مربع)، تتحرك معارضها واستثماراتها ما بين الهند وباكستان، سيرلانكا وبنغلادش، أفعانستان والتيبت وغيرها مما يفسّر خصوبة مجموعتها الخاصة (تبلغ خمسة آلاف قطعة) من الفنون التراثية (القبلية) خاصة الأقمشة النادرة، أما قطع الفن المعاصر فتبلغ ألفي لوحة ومنحوتة، افتتحت عام 2008 لتسيطر على الاستثمار السياحي والفندقي قبل أن تتحول إلى الفن التشكيلي وهكذا صعدت أسماء فنانين بطريقة متسارعة بفضل أمثال هذه المؤسسة، من أمثال مهتا وخانا، سامانت وباداماز وسوزا وغيرهم. عرفنا منذ فترة مبكرة طليعة الفنّانين الستة في بومباي. فنانة من هذا الجيل هي زارينا هاشمي (من مواليد 1973)، نحاتة وحفارة، اختيرت لجناح الهند المشارك للمرة الأولى في دورة «بينالي فينيسيا» الحالية والمستمرة عدة أشهر. عرفنا لها قبل فترة معرضاً استعادياً في لوس أنجليس، وستمثل الهند من جديد في بينالي إسطنبول. كانت الهند لجأت الى كوميسير (مفوض جناحها) ناقد معروف كان كوميسراً للجناح الكوري (الجنوبي) في الدورة السابقة. الهند تعوض زمن التقصير الماضي، لذلك تعد «البينالي» الخاص بها في بحر عام 2012 المقبل، هو ما يفسر إلغاء رسوم الجمارك والضمانات الفنية وتسهيل القروض والشحن (الخاص بالأعمال الفنية). دعونا في الختام نتجول في العروض والمشاركات وتعددية حضور الفن المعاصر الهندي في فرنسا، وذلك خارج حدثيّة الشراكة الأولى في دورة «بينالي فينيسيا» الراهن، فبعد معرض المتحف المختص بفنون آسيا في باريس وهو متحف غيمي الذي كشف تصاوير القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في شمال الهند متعقباًَ اتصاله بالازدهار المغولي (يستمر حتى نهاية تموز/ يوليو بعنوان «ليشنو بين المغول والإنكليز»)، ثم معرض القصر الكبير لآنيش كابوور (انتهى منذ يومين)، نجد الفن المعاصر الهندي يجتاح أهم موقع تشكيلي في العاصمة، وبالتحديد في متحف الفن المعاصر لمركز بومبيدو تحت عنوان: «باريس دلهي بومباي»، يستمر حتى نهاية أيلول/ سبتمبر 2011، إضافة إلى معرض: «من الهند الغولية إلى بوليوود» مستمر حتى نهاية آذار/ مارس 2012 في المتحف الإتنوغرافي في جنيف. ثم معرض متحف الفن المعاصر في مدينة ليون حتى نهاية تموز 2011، ثم انتشار أربعة أفلام وثائقية DVD منجزة في نهاية العام الفائت حول سياق الحداثة والمعاصرة الهندية في التعبير التشكيلي. رائجة في المكتبات العامة. لعله من الجدير ذكره أن خصائص هذه الطفرة الشابة ذوقياً تتوازى مع خفة دم (وشعبية وعولمية) في الأفلام السينمائية. وحتى لا نقول هابطة في المستوى نقول متحررة من ضغط التقاليد الفنية والهندوسية الأصيلة، لذلك رغم اعترافنا بنجاح سرقة صفة العولمية الذوقية الاستهلاكية، فإن اللوحة، أو المنحوتة، أو الإنشاء، أو الفيديو الهندي لا يمكن خلطه ربما مع قرائنه، بخاصة الجدد، مثل الصينيين وغيرهم... ينطبق على هؤلاء جميعاً ملاحظة أن تقليد الاستفزاز الفني الغربي لا يخلو بالنتيجة من الاجترار.