تواجه صحيفة «غارديان» البريطانية خطر صرف عدد كبير من موظفيها، وربما إغلاق أقسام وملاحق بأكملها، بعدما أقرّ مسؤولوها بأن خسائرها الضخمة - التي بلغت 33 مليون جنيه استرليني - تحتم عليهم اللجوء إلى إجراءات ضرورية لترشيد الإنفاق. وعلى رغم أن الصحيفة البريطانية العريقة لم تُعلن بعد ماهية الخطوات التي تعتزم اللجوء إليها، فإن الواضح أنها وشقيقتها الأسبوعية «أوبزرفر» التي تصدر أيام الأحد ستتحولان إلى صحيفتين مخصصتين أولاً لسوق «الديجيتال» قبل أن تكونا صحيفتين ورقيتين. وتكهنت صحف بريطانية منافسة بأن «غارديان» ستلجأ إلى إغلاق ملاحقها اليومية التي تتناول ملفات مختلفة، مثل ملحق الإعلام يوم الإثنين وملحق التعليم يوم الثلثاء، وهما من أشهر وأغنى الملاحق المتخصصة في الصحافة البريطانية. وبات صرف موظفين أمراً أكيداً بعدما أقر الرئيس التنفيذي ل «مجموعة غارديان الإعلامية» أندرو ميلر خططاً لتوفير 25 مليون جنيه استرليني طوال خمس سنوات من تكاليف النسختين الورقيتين من «غارديان» و»أوبزرفر»، وتأكيده أن هاتين الصحيفتين ستتحولان إلى مطبوعتين على نسق الديجيتال. وشرح ميلر في لقاءات متتابعة مع الموظفين في المطبوعتين إن الإدارة ستركز الآن على سوق «الديجيتال» وستعمل على مضاعفة الأرباح التي تحققها من هذه السوق لترتفع من 47 مليون جنيه استرليني حالياً إلى 91 مليون جنيه في العام المالي 2015 - 2016. وقال إن «عمل لا شيء ليس خياراً»، وإن مجموعة «غارديان» الإعلامية يمكن أن تواجه خطر نفاد أموالها كلياً خلال ثلاث سنوات إذا لم تلجأ إلى تغيير عملياتها التجارية. وتملك «غارديان» عقارات يمكن بيعها للحصول على أموال، ويمكن أن يُلجأ إلى ذلك بهدف تأمين سيولة تُستخدم في مشاريع أخرى (استثمار في أقسام إعلامية جديدة على نسق الديجيتال). لكن يُخشى في نهاية المطاف أن تجد «غارديان» نفسها مضطرة إلى صرف محررين، بعدما كانت اضطرت سابقاً إلى صرف موظفين من الأقسام المالية (وظائف إدارية). وأبلغ رئيس تحرير «غارديان» آلان راسبريدجر الموظفين أخيراً أن عليهم «الانتقال إلى ما بعد الصحيفة (الورقية)، وتغيير التركيز والجهد والاستثمار إلى نظام الديجيتال، لأن هذا هو مستقبلنا». وأضاف أنه سيُجري «تغييرات في النسخة الورقية (من غارديان) من الإثنين إلى الجمعة كي يتم الأخذ في الاعتبار التغييرات في أنماط القراء والمعلنين»، وأنه سيجري التركيز أكثر على التحليلات المعمقة. ومن الأمور التي قد تلجأ إليها «غارديان» لخفض الإنفاق هو تصغير حجم النسخة الورقية ولكن مع زيادة سعرها أيضاً. وتُباع النسخة اليومية من «غارديان» في بحر الأسبوع (الإثنين إلى الجمعة) بجنيه واحد. والظاهر أن الخطر المحدق بالملاحق اليومية مرتبط إلى حد ما بتراجع الإعلانات فيها، ليس بسبب تراجع مستواها بل بسبب تقلّص السوق التي تستهدفها هذه الملاحق. فملحق الإعلام مثلاً كان غنياً خلال السنوات الماضية بالإعلانات من شركات تسعى إلى توظيف إعلاميين في مجالات مختلفة. لكن مع النكسة التي أصيب بها قطاع الإعلام جراء الأزمة الاقتصادية العالمية جفّت هذه الإعلانات إلى درجة كبيرة بحيث بات يُلاحظ أن الملحق بات يصدر الآن ببضع إعلانات، بينما كان عددها بالمئات في الماضي. والأمر ذاته ينطبق على الملاحق المختلفة التي تصدرها «غارديان». كما أن نسبة كبيرة من الإعلانات انتقلت حالياً من المطبوعات الورقية إلى مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت، ما حرم الصحف - بما فيها «غارديان» - من دخل مالي كانت تعتمد عليه سابقاً. وليس واضحاً بعد هل ستُدخل «غارديان» أية تعديلات على ملاحقها الرياضية، وإن كان ذلك غير مستبعد أيضاً. كما أن من غير الواضح هل سيتم إجراء أي تغييرات في عدد يوم السبت (أغنى أعداد الأسبوع وأضخمها) ولا ما إذا كانت التغييرات ستطاول أيضاً النسخة الأسبوعية (أوبزرفر). لكن صحيفة «إيفنينغ ستاندرد» أوردت أن الرئيسة السابقة لمجموعة «غارديان» الإعلامية كارولاين ماكول، التي تركت منصبها لتعمل في شركة الطيران «إيزي جت»، فكّرت في إغلاق «أوبزرفر» كلياً قبل عامين بهدف الحد من الخسائر التي تتكبدها المجموعة. ويُخطط أندرو ميلر الذي حل محل ماكول العام الماضي، لإجراء مفاوضات مع النقابات في «غارديان» و»أوبزرفر» في شأن أي صرف محتمل للموظفين. وثمة اتفاق سابق مع النقابات يقضي بعدم اللجوء إلى صرف إلزامي في صفوف طاقم التحرير. ويعمل في «غارديان» و»أوبزرفر» وموقعهما الإلكتروني 1500 موظف بينهم 630 صحافياً. وأقرت الصحيفتان الشقيقتان قبل أيام بأن خسائرهما بلغت 33 مليون جنيه استرليني سنوياً، ما يرفع خسائر «مجموعة غارديان الإعلامية» إلى 171 مليون جنيه استرليني خلال العام الماضي. وتشمل هذه الخسائر الشركات الأخرى التي تملكها هذه المجموعة مثل إذاعة «سموث أف أم» و»أوتو تريدر» و»إي ماب». وأنفقت «غارديان» نحو 80 مليون جنيه على نسختها الورقية منذ عام 2005 عندما تحوّلت إلى مطبوعة أصغر من الحجم الكبير القديم الذي ما زالت تستخدمه «التيلغراف» مثلاً، لكنه في الوقت ذاته أكبر من حجم التابلويد.