في المشهد التلفزيوني العراقي فضائيتان جديدتان قيد التأسيس بعد 50 فضائية أخرى شرعت بالبث خلال الأعوام الستة الأخيرة، كان الرقم الأخير فيها ل «قناة الرشيد» التي بدأت البث مع مطلع العام. وإذا كانت القنوات الخمسون بعضها يمثل جهات حزبية وبعضها الآخر حركات وتجمعات ذات توجه سياسي أو ديني، أو هي واجهة لمؤسسات أُقيمت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فإن القناتين الفضائيتين الجديدتين تمثلان مؤسستين إحداهما ثقافية وصحافية هي مؤسسة المدى المتمثلة حتى الآن بدار نشر وصحيفة يومية، والثانية صحافية فقط تمثلها صحيفة «الصباح الجديد» اليومية السياسية. يواجه الإعلاميون العراقيون هاتين القناتين، قيد التأسيس، بأسئلة مهمة تحاول أن تتبين ما ستقدمه كل منهما لمشاهديها، والنهج الإعلامي والثقافي الذي ستنهجه كل منهما؟ ويضيفون القول: إذا كانت القناتان الجديدتان، أو إحداهما، ستنهج نهجاً سياسياً، فماذا ستقول في واقع صاخب سياسياً، اختلطت معه الأوراق، وتعددت الولاءات وتداخلت لكثرة التغير والتبدل، وتشعبت الاصطفافات الى الحد الذي لم يبق معه، بحسب هؤلاء الإعلاميين، من مجال لقول يضاف فيقدم جديداً من الوعد لبلد وإنسان بلد نكبا بكثرة الوعود، بحيث يثق مشاهد هاتين القناتين بما يرى ويسمع؟ ويلاحظ هؤلاء الإعلاميون، وهم يتابعون الواقع الذي تتحرك فيه هذه الفضائيات وطبيعة حركتها في ما ترسم من توجهات، أن ما ينضوي تحت لافتة السياسة وما هو سياسي قد استهلكته الفضائيات الخمسون السابقة في عمر بثها، ولم تبق من هذا الواقع سوى الوجوه التي استهلكت لكثرة ما ظهرت عبر هذه الفضائيات، بمناسبة ومن دونها، بحيث لم يعد لديها جديد تقوله حتى في مستوى تركيب الجمل وصياغة العبارات. ويرى هؤلاء أن هناك ما ينقص هذه الفضائيات ويمكن أن تستثمره الفضائيتان الجديدتان، محددين هذا النقص في ثلاث مسائل. الأولى العناية بالدراما التلفزيونية، سواء منها ما تنتجه هذه القنوات بنفسها أو تساعد في إنتاجه محلياً، أو ما تتواصلان به مع الإنتاج العربي والعالمي في هذا المجال، لسد الفراغ في عملية المشاهدة، بما يمكن أن يشكل تعويضاً للغياب الحاصل في العروض المسرحية وفي ارتياد المسارح التي لم يتبق منها في العاصمة بغداد سوى مسرح واحد... والمسألة الثانية هي الاهتمام بالسينما في مستوى إنتاج الفيلم العربي والأجنبي على حد سواء، وتقديم الجديد والمتميز، فناً وموضوعاً، والتي هي من أكثر ما يحتاجه المشاهد العراقي اليوم بعد الغياب الكلي لصالات العرض السينمائية. وبهذا يمكن لهذه القنوات أن تسد فراغاً كبيراً، فنياً وثقافياً، يعيشه المشاهد العراقي منذ سنوات لا يبشر الواقع الراهن بنهاية قريبة لها. والمسألة الثالثة هي الثقافة بطابعها النوعي. فبعد أن ملّ هذا المشاهد رؤية الوجوه، الأجير منها والمستأجر، وأصبح الكثير مما تقوله عامل عزوف عن مشاهدة الكثير مما تقدمه هذه القنوات، هو اليوم بأمس الحاجة الى «كلام آخر» مختلف.. وهذا الكلام لن يأتيه من طريق السياسيين وما هو سياسي، وإنما مصدره الثقافة التي ينبغي أن يسمعها من مثقفين حقيقيين لا يتصارعون على الواجهات، ولا يتنافسون في إظهار الولاء (للمحتل، أو للسلطة) وإنما من أولئك الذين يعيشون هماً ثقافياً اجتماعياً.. سواء بتقديم الجديد، أو من خلال الحوار الجاد والمخلص في قضايا تهم الإنسان أولاً، وتتصل بواقعه، وتعمل على إعادة بناء عقل المجتمع بعد كل ما تعرض له من عمليات التخريب والتدمير المنظم، وبوسائل وأساليب مختلفة ليست الوسائل والأساليب الإعلامية خارجها. مثل هذه المعطيات هي ما يحتاجه المشاهد العراقي اليوم، هذا المشاهد الذي يجد الكثير من القنوات التي تبث من بلده والمحسوبة على بلده، نسبة وانتساباً، عاجزة أو قاصرة عن تقديمها له.. فهي الأصعب، والأغنى، والأهم. فهل ستتوجه القناتان الجديدتان مثل هذا التوجه مستأثرتين بعالم ندعوه «عالم الفقراء» ؟ أم أنهما سترضيان لنفسيهما أن تكونا رقماً يضاف الى الأرقام المطروحة على ساحة الإعلام الفضائي وضمن مساحته، فتكسب كل منهما على طريقتها الخاصة... ولكن ليس الجمهور- المشاهد الحقيقي؟