«ليه يا بنفسج»؛ هو عنوان أحدث معارض الفنان المصري حلمي التوني (قاعة بيكاسو- القاهرة). وتحت هذا العنوان يقدم مجموعة كبيرة من اللوحات، الزتخرة برموز كثيرة، كالمهرج والطائر والبحر والفاكهة والمرأة. العنوان نفسه، هو اسم أغنية شهيرة كتبها بيرم التونسي وغناها صالح عبد الحي في أربعينات القرن الماضي. يحرص التوني على تضمين أعماله تلك الرموز والإشارات الدالة دائماً، كحرصه على إشاعة البهجة في أعماله. أعمال التوني مشرقة باللون دائماً، وهو هنا يحتفي باللون أيضاً بطريقته الخاصة. يتخذ التوني من اللون البنفسجي، بدرجاته المضيئة والمعتمة محوراً للأعمال، فهو اللون المسيطر على العناصر المرسومة مع مكوناته الأساسية من الأحمر والأزرق. البنفسجي لون مشرق يدعو للتفاؤل، وهو اللون الأنسب لتلك التجربة التصويرية المبهجة التي يقدمها حلمي التوني، هذه التجربة التي يراوح فيها بين ذكرياته وأحلامه، أحلام وذكريات تسكنها صور الحسناوات اللاتي يتسللن إلى لوحاته ويقبعن دائماً في مقدمة المشهد. لا تغيب المرأة عن أعمال التوني، فهي في القلب من تجربته وأيقونة رموزه ودلالاته. في أعمال المعرض الأخير، يطالعنا التوني بصورة رمزية للمهرج. العلاقة بين المرأة والمهرج يصعب تبين ملامحها. فتعابير المهرج مصطنعة، وليست سوى قناع يختبئ خلفه وجه آخر. غير أننا يمكن أن نقرأ إشارات هنا أو هناك تنبئنا بطبيعة تلك العلاقة التي تجمعه مع المرأة في إطار واحد، ويبدوان معاً كأنهما حبيبان أو عروسان يهمان بالتقاط صورة للزفاف. في واحدة من اللوحات يحمل المهرج نبات الصبار بين يديه ويقدمه للمرأة بدلاً من الزهور، بينما تجلس المرأة وهي تحمل طفلاً يشبهه. ستارة في الخلفية ومنضدة صغيرة عليها تفاحة حمراء، اللون الأحمر في اللوحة تكاد تستأثر به المرأة، بينما تطغى درجات الأخضر الزيتوني على بقية العناصر. العلاقات البصرية بين العناصر المرسومة هنا هي علاقات محددة بدقة، لا تداخل بين الدرجات اللونية أو المساحات. الخطوط القاتمة تضع حداً فاصلاً بين العناصر وبعضها، وتتشكل بها أيضاً مجموعة المفردات المصاحبة، كتفاصيل الأثاث والزخارف الهندسية والنباتية التي تتكرر في عدد من اللوحات. في لوحة أخرى يعزف المهرج على آلة العود، بينما تقف وراءه أربع نساء يرتدين الملاءة «اللف»، وهي الزي التقليدي للمرأة المصرية في الأحياء الشعبية، والذي اندثر اليوم مع ما اندثر من عادات وتقاليد. النساء الأربع في اللوحة يمثلن تفصيلة من لوحة أخرى شهيرة للفنان المصري محمود سعيد، وهي لوحة «بنات بحري»، أحد مقتنيات متحف الفن المصري الحديث، وإحدى العلامات الفنية لهذا الفنان الراحل. يبعث التوني هنا تحية إلى محمود سعيد، لكنه في الوقت نفسه يحول لوحته الأسطورة إلى محتوى ساخر، ربما يكون مناسباً أكثر لروح العصر الذي نعيش فيه، فالمهرج هنا يتصدر المشهد، وهو العازف الوحيد، أما بنات بحري اللاتي يتسيّدن اللوحة الأصلية فقد تحولن في لوحة التوني إلى مجرد جوقة خلف المهرج. في أعمال التوني قد يعلن الرمز عن نفسه صراحة أو يختبئ خلف هذه العناصر، هو يحتاج فقط إلى إعادة التأمل والنبش في الذاكرة، فالفنان يستدعي عناصره في كثير من الأحيان من هذه الصور التي علقت بذهنه وذكرياته القديمة عن الناس والعلاقات الاجتماعية الدافئة التي عايشها. جانب كبير من تجربة الفنان حلمي التوني يعتمد على استدعاء مشاعر الحنين إلى تلك السنوات. يمكننا أن نلمح هذا الحنين في طراز المقاعد أو هيئة الشرفات، أو الأزياء التي ترتديها النساء في اللوحات، أو هذه التفاصيل المصاحبة للمشهد، كالزخارف وربطة رأس المرأة وزينتها، كلها تفاصيل تشي بماضٍ لا يزال حاضراً في ذهن الفنان، كأنه يرسم ليتذكر، ويذكرنا بتلك الأيام الخوالي.