«عندما يأتي المساء»، هو عنوان المعرض الأخير الذي استضافته قاعة بيكاسو للفنون في القاهرة لأعمال الفنان حلمي التوني. كعادته، يوظف التوني مفرداته وعناصره في شكل رمزي، فكلها تتشابك وتتضافر لتأكيد فكرة ما أو رسالة يريد إيصالها إلى المتلقي. في هذا المعرض يشتبك التوني مع الأحداث الجارية وتمتلئ لوحاته بالعديد من الرموز والعناصر المتعلقة بالمرحلة التي تعيشها مصر حالياً، مصر التي طالما رسمها في أعماله على هيئة امرأة جميلة تختصر بهيئتها الوطن. بعض هذه الأعمال التي ضمها معرضه تناولت أحداثاً بعينها، كحادث تفجير كنيسة القديسين الذي وقع منذ شهور، والذي تناوله في لوحة مشحونة بالعاطفة والأسى ومرسومة بالألوان الأحادية. وبين رموزه الكثيرة التي امتلأت بها لوحاته الأخيرة يبرز تناوله لليل، أو «المساء»، كما جاء في عنوان المعرض المستوحى من مطلع أغنية شهيرة للموسيقار محمد عبدالوهاب. فالليل هو القاسم المشترك بين معظم هذه الأعمال التي عرضها التوني، وعلى رغم شاعرية المعني الذي تشير إليه كلمات الأغنية فإن الليل يتخذ هنا منحى آخر، فالليل هنا هو الظلمة، وهو المعبر عن تلك المرحلة التي تعيشها مصر حالياً. الليل في لوحات التوني يحيط بالعناصر ويشكل فضاءها ومحيطها، بينما تسبح العناصر في هذا المحيط القاتم بهيئتها المبهجة وألوانها الصريحة والقوية. تتوزع المفردات هنا وهناك على مساحة اللوحة فيخلق هذا التضاد بينها وبين الخلفية القاتمة حالاً من الحوار والجدل، وتبدو العناصر المرسومة أكثر ألقاً وإبهاراً للعين. «عندما يأتي المساء»، هو معرض ينضم إلى مسيرة التوني اللونية المبهجة على رغم السياق المليء بالأسى أحياناً. في تلك الأعمال يستمر التوني في استلهام صورة المرأة، ذلك العنصر الفياض بجمال التكوين والمتعدد الدلالات، فالمرأة هي أحد العناصر الأساسية في أعماله على مدار تجربته الفنية، يرسمها كرمز قبل أن تكون عنصراً جمالياً. يرسمها بعينيها الواسعتين وقسمات وجهها الرائقة. المرأة في أعمال التوني خلابة التفاصيل، بهيئتها التي تنتمي إليه وحده من دون غيره من المصورين. هذه الخصوصية التي تتمتع بها صورة المرأة في أعمال حلمي التوني تنعكس أيضاً على معالجاته الفنية لبقية العناصر الأخرى التي تمتلئ بها أعماله التصويرية. فعناصره واختياراته ومعالجاته تتميز بخصوصيتها الشديدة وتفردها، فهو فنان يمتلك بصمته اللونية المميزة، ومعالجاته الخاصة التي تستطيع التعرف إليها بسهولة بين أعمال غيره من المصورين. يتألف عالمه من عناصر الطبيعة، من أزهار وأشجار وبشر، وكذلك من مخزون بصري يتجلى فيه التاريخ والتراث والحكايات والعادات والتقاليد والأساطير والفنون الشعبية، وكل ما يشكل وجدان الفنان وثقافته وذكرياته. هو يتعامل مع كل تلك المكونات والعناصر ويعالجها بأسلوبه وخبرته الذاتية حتى تكتمل اللوحة. وهو حين قرر الالتجاء إلى الفن الشعبي إنما فعل ذلك لهوى شخصي كما يقول، ثم لرغبته في العودة إلى الأصول والبدء منها كما فعل فنانو عصر النهضة الأوروبي حين استلهموا فنون الحضارة الرومانية وأعادوا بناء صروحها التي تهدمت، ثم انطلقوا من خلالها إلى رحاب أخرى أوسع وأكثر ثراءً. وهو على رغم استقراره الفني وتميز مفرداته وأشكاله وعناصره بطريقة لا تخطئها العين، فإنك لا تشعر في أعماله أبداً بالرتابة أو التكرار، فهو يدهشك بالجديد في كل مرة، وهو يفعل ذلك عن قناعة خاصة بأن الفنان الصادق لا بد له من أن يغير ويطور من نفسه باستمرار وألا يستكين أبداً أو يستسلم للأسر في إطار واحد مهما كانت روعة ذلك الإطار ومهما سمع من كلمات الإطراء والإعجاب، فلا بد للفنان أن يغير من نفسه لأن التغيير هو سنة الفن كما هو سنة الحياة. تخرج الفنان حلمي التوني في الفنون الجميلة عام 1958 وعمل في دار الهلال المصرية لسنوات فور تخرجه، إلى أن تركها مرغماً مع عدد من كتابها عام 1973 ليسافر بعدها إلى لبنان ويقيم هناك لأكثر من 12 عاماً متواصلة. عاد التوني إلى القاهرة مرة أخرى في منتصف الثمانينات. وأقام لأعماله العديد من المعارض الفردية في معظم الدول العربية، كما شارك أيضاً في الكثير من المعارض الجماعية المصرية والدولية، كما عمل لفترة في مجال الإخراج الصحافي، وهو يعد من أبرز الفنانين في مجال تصميم الكتاب في العالم العربي، كما ألف وصور العديد من كتب وملصقات الأطفال التي نشرت بلغات عدة.