قبل شهور قليلة كانت إسرائيل تتعرض لعزلة دولية وإقليمية خانقة. أصدقاؤها التقليديون مثل بريطانيا وفرنسا بدأوا ينتقدون سياساتها، حتى أن شخصاً مثل الرئيس نيكولا ساركوزي المعروف بعلاقاته الوثيقة معها، كان مستعداً للإعتراف بدولة فلسطينية خلال التصويت في الأممالمتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل. أما البيت الأبيض فعاد إلى رشده بعد زيارة نتانياهو واشنطن ولقائه الرئيس باراك أوباما ومهرجان التأييد في الكونغرس. (بعضهم شبّه المشرعين الأميركيين بلعبة «اليويو» يتحركون مع كل إيماءة من يد نتانياهو). إقليمياً كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يقف إلى جانب «حماس» ويغازل إيران و «حزب الله»، ويعزز علاقاته بسورية، ويرى مصلحة بلاده في الإنحياز ضد الدولة العبرية. لم يغب عن باله الإعتداء على السفينة مرمرة والإهانة التي وجهتها وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى سفيره في تل أبيب، واعتبرهما اعتداء على سيادة بلاده. وفي هذا الإطار نتذكر أن صوره رفعت في العواصم العربية كأنه السلطان الجديد أو المنقذ الساعي إلى إعادة الكرامة العربية والإسلامية. إقليمياً ايضاً، أسقطت الثورة المصرية نظاماً طالما عوّلت عليه إسرائيل لإحباط اي إجماع عربي معاد لها ونشر ثقافة السلام بمفهوم كامب ديفيد، وتحويل العداء كله إلى إيران وحلفائها. كان الإسرائيليون في هذه المرحلة يتحدثون كثيراً عن الخطر الوجودي الذي رافق إنشاء دولتهم. ونظَروا كثيراً لفقدانهم دورهم في الشرق الأوسط. هذا الدور الذي اضطلعوا به لخدمة المصالح الإستعمارية القديمة والجديدة، عندما كان الغرب يعوّل عليهم في محاربة أي توجه قومي وحدوي عربي، أو أي توجه يساري يشكل خطراً على هذه المصالح. فضلاً عن ذلك شكل انسحابهم من لبنان عام 2000 وفشلهم في الحرب عليه عام 2006، منعطفاً في تاريخ دولة عمرها لا يزيد عن عشرات السنينن، فتضاعف إحساسهم بالخطر الوجودي، خصوصاً بعد حلول الربيع العربي وتباشيره بالديموقراطية والحرية والكرامة. لكن هذا الربيع بالذات كان فرصة لإسرائيل كي تعيد حساباتها، وتشارك في الثورة المضادة، مباشرة مرة، وعبر حلفاء مرة أخرى. وها هي اليوم تستعيد بعضاً من الثقة بالنفس فالولايات المتحدة مستمرة في دعمها وتستقطب بعض أصحاب الربيع. وتركيا عادت إلى موقعها في الأطلسي، وإلى عدائها التاريخي لإيران. تشجع الحركات المناوئة لسورية، وتمنع سفينة مرمرة من المشاركة في الأسطول المتوجه إلى غزة. وتصعّد لهجتها ضد النظام في دمشق. في مصر، تبين أن النظام القديم ما زال ممسكاً بزمام الأمور، والقاهرة تحتاج إلى سنوات كي تستعيد توازنها ودورها الإقليمي، فضلاً عن أن السلطة الجديدة طمأنت الجميع إلى أنها لن تسعى إلى إعادة النظر في اي اتفاق مع الدولة العبرية. وأكثر من ذلك، تبين أن المخاوف من «الإخوان المسلمين» لم تكن في محلها فها هم يسعون إلى الحوار مع واشنطن. أما سورية وتحالفها مع إيران و «حزب الله» فهي غارقة في «ربيعها» الدموي، وفي معالجة أمورها الداخلية، وتحتاج إلى وقت طويل كي تستعيد عافيتها بعد الإستنزاف الذي يتعرض له النظام في حروب داخلية، وقد يكون مضطراً إلى الغوص في حروب لبنانية بدأت تلوح في الأفق، بعد اتهام عناصر من «حزب الله» بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري. يحق لنتانياهو أن يستعرض عضلاته ويفخر بإنجازات يدفع الآخرون ثمنها من ثرواتهم ودماء شعوبهم. الثورة المضادة للربيع العربي حققت له ما لم يكن يحلم به، حتى انه يعتبره ربيعه، على ما قال أحد الكتاب الإسرائيليين.