في إسرائيل ينشغلون طويلاً بالأوضاع في سورية. البعض يراهن على أن الرئيس السوري بشار الأسد سينجح في البقاء لكن سورية المقبلة ستكون مختلفة عن سورية اليوم، والبعض الآخر يرى أنه لن يصمد وأن سورية من بعده ستكون مبهمة وقد تحمل في طياتها أخطاراً على إسرائيل. في التيار الأول نجد عسكريين سابقين وأكاديميين، وفي التيار الثاني نجد شخصيات أكثر تأثيراً ونفوذاً في السياسة الإسرائيلية اليوم، أمثال وزير الدفاع أيهود باراك، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي غيورا ايلاند ونائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعالون، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وغيرهم. هؤلاء يعتبرون أن سقوط نظام الأسد حتمي وأن المسألة هي مسالة وقت لا أكثر. وهذا الموقف يفجر نقاشات عديدة في إسرائيل، لما تحمله التغيرات في سورية من أثر عليها. ولعل العلاقة بين سورية وإيران وحزب الله هي النواة التي ينبعث منها القلق الإسرائيلي، إذ يرسم المسؤولون والخبراء مختلف السيناريوات المتوقعة. وفي أحدها، بدا أن مسؤولين عديدين يخشون من أن يقدم الأسد على رد فعل يائس ويشن هجوماً على إسرائيل، خصوصاً أن إيران لم تظهر نية لمساعدة وإنقاذ النظام السوري. ولكن هؤلاء يحرصون على التهديد من هذا السيناريو إذ وصفوا خطوة كهذه بأنها «انتحار للأسد». ويرى مسؤولون إسرائيليون أن العلاقة بين ما يسمى «محور الشر» يجعل من عدم الاستقرار الذي تشهده سورية خطراً على إسرائيل. وفي هذا الجانب يختلف المراقبون والسياسيون والخبراء في تقديراتهم. فهناك من يرفض القول إن سقوط الأسد سيخدم المصلحة الإسرائيلية، ويرى أن الحفاظ على الوضع القائم هو الخيار الأفضل لأن ذلك سيدفع بالنظام السوري إلى الانشغال بالشؤون الداخلية، بعيداً عن حلفائهإيران وحزب الله وحماس. وانشغال كهذا في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة قد يخلق توتراً حتى بين هؤلاء الحلفاء. وفي تقدير الإسرائيليين فإن سقوط الأسد قد يعرض الهدوء على طول الحدود السورية للخطر. ويلفت غيورا آيلاند إلى أن من مصلحة إسرائيل أن يبقى نظام الأسد، لأنه رغم عدائه لإسرائيل فإنه يعرف حدود قوته ولا يغامر في إشعال الحرب معها. ولكن إذا انهار الأسد، فإن إسرائيل، يقول آيلاند، ستعرف كيف تجد مصلحتها هناك أيضاً. «فالتغيير سيأتي بقوى من شأنها أن تضعف علاقة سورية مع حزب الله وستخفف من دعمه عسكرياً وهذا يتيح الفرصة أمام إسرائيل لإجراء ترتيبات أمنية اكثر استقراراً مع لبنان وبالتالي الحفاظ على هدوء الحدود الشمالية». الجنرال في الاحتياط، ايال رؤوفين الذي شغل منصب نائب قائد الجبهة الداخلية خلال حرب لبنان الثانية، يحسم أن سورية تتجه نحو التغيير على المدى البعيد، وهذا ليس في مصلحة إسرائيل. لماذا؟ يرد رؤوفين: «الواضح أن أي تغيير ستشهده سورية لن يكون في مصلحة إسرائيل، لأنه إلى جانب أصوات المتظاهرين التي تنادي بترتيب شؤونهم كما يجب، تتعالى نداءات تطالب الأسد بإرسال قواته لمهاجمة إسرائيل، وإذا ما احتدمت الأمور ستزداد الضغوط على الأسد وقد يدفعه ذلك بالفعل إلى توجيه ضربة لإسرائيل». لكن رؤوفين يحاول الطمأنة قليلاً بالقول:» لننتظر قليلاًَ في الوقت الحالي. فلا يمكن القول إن الحدود الإسرائيلية ستشهد تصعيداً من جانب النظام السوري ولا حتى من حزب الله. فالجيش السوري مشغول في حماية نظام الحكم وهذا هو الأهم بالنسبة إليه». وتشغل الأحداث التي تشهدها سورية بطبيعة الحال مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو. ويرى الخبير في الشؤون السياسية شمعون شيفر، أن نتانياهو سيستغل الأحداث ليظهر أمام الأميركيين وغيرهم انه كان محقاً عندما لم يرغب في توقيع الاتفاق مع الأسد. ويقول شيفر:» في السنتين الأخيرتين حاول رؤساء دول صديقة لإسرائيل ومسؤولون كبار في جهاز الأمن إقناع نتانياهو باستئناف المفاوضات مع سورية. المبرر الأساس الذي طرحه هؤلاء كان في أن اتفاق سلام مع سورية سيدق إسفيناً في حلف «محور الشر». فرغم أن الأسد كرر انه لن يقطع علاقاته مع إيران ومع حزب الله، فإن اتفاق سلام مع إسرائيل سيلزمه عملياً بالابتعاد عنهما. في جهاز الأمن ذكروا أيضاً منظومة الصواريخ السورية، التي من شأنها أن تهدد مدن إسرائيل إذا ما اندلعت مواجهة عسكرية. ويدافع نتانياهو عن الموقف الذي أبداه في حينه بالقول :»إن الأسد يضع الحلف مع إيران في مكان عال في سلم أولوياته، أعلى حتى من إعادة الجولان. فالرئيس السابق، حافظ الأسد، كان ممكناً جلبه إلى طاولة المفاوضات من خلال الوعد بدعم أميركي سخي. أما الابن بشار فلا يعتقد أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر القدس». احد الوزراء المقربين من نتانياهو هب للدفاع عن موقفه بالقول إن التهديد الذي يحدق بإسرائيل جراء استمرار الجمود مع سورية لن يقل مع انصراف الأسد، بل قد يزداد. من جهتنا قد ننجح في تدمير سورية إذا أطلقت الصواريخ علينا. ولكني لا أريد أن افكر ماذا سيحصل لنا في الطريق إلى هناك». وفي الوقت الذي تنشغل فيه إسرائيل بخطر تفاقم الأزمة مع تركيا ويزداد النقاش حول سبل التعامل معها عقب تقرير بالمر، يأخذ الملف السوري مكاناً لدى مناقشة انعكاسات المواقف التركية على إسرائيل والمنطقة عموماً. ويقول بوعز بسموت، الخبير في الشؤون العربية. إن أنقرة ستستغل الأزمة في سورية لتثبيت مكانتها باعتبارها قوة إقليمية. فالصداقة السابقة مع الأسد لا تتعدى مسالة المصلحة التركية. وبرأيه فإن تركيا كانت دائماً وسيلة إنقاذ لسورية إذا احتاجت إلى ذلك. ويقول: «اختار بشار الأسد عندما تولى الحكم أن ينضم إلى محور الشر بقيادة إيران، وعقدت دمشق الضعيفة حلفاً مع الشيطان لتقوي مكانتها الدولية. لكن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، كانت دائماً عجلة إنقاذ للأسد إذا احتاج إلى ذلك، ومن هنا جاء التقارب التركي السوري. وبالنسبة إلى تركيا، ففي عالم بلا أزمات تحلم به ويُمكّنها بحسب نهجها من تعزيز مكانتها، سيكون عليها أن ترتب أمورها مع حلف غير طبيعي، مع الشيعة في إيران والعلويين في سورية»، ويتوقع بسموت أن يتغير «الشرق الأوسط والأحلاف أيضاً، وتركيا تدرك أن السنّة في سورية سيحتاجون إلى مساعدة في اليوم الذي يتولون فيه الحكم في دمشق». استعادة الجولان بعملية عسكرية في دراسة إسرائيلية شارك فيها خبراء وأمنيون سابقون وجاءت تحت عنوان «مظاهر الاهتزاز في الشرق الأوسط وأمن إسرائيل «، قال غيورا ايلاند إن الأفضل لإسرائيل بقاء الأسد في الحكم وفشل الثورة الحالية». ذلك أن «بقاء الأسد يعني انشغاله بتقوية نفسه داخلياً وخارجياً بعيداً عن أي بحث أو تفكير في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وربما أيضاً يخفف دعمه لحزب الله. وفي هذا الوضع يتواصل الهدوء الذي يسود الحدود الشمالية حالياً». وفي السيناريوات التي تضعها الدراسة للاحتمالات في سورية عقب الأحداث التي تشهدها، هناك جزم بأن الأمور ستنتهي بسقوط الأسد. وبحسب الدراسة فهذا السيناريو يعني أن تسود الفوضى سورية ويزداد النفوذ الإيراني فيها. وعندها تزداد الاحتمالات لعملية عسكرية ضد إسرائيل وعدم استمرار الهدوء على الحدود الشمالية. وتخشى الدراسة الإسرائيلية نشوء نظام سني يتخذ مواقف ضد إسرائيل إلى حد إصراره على استعادة الجولان ولو بعملية عسكرية. وفي سيناريو آخر تبحث الدراسة في انعكاس احتمال نشوء نظام ديموقراطي في سورية على إسرائيل. ويرى معدو الدراسة أن سيناريو كهذا، لن يحسم الأمور باتجاه اتخاذ موقف يدعم السلام مع إسرائيل. ولكن سورية ستحتاج إلى وقت حتى تخرج من أزمتها وتثبت نظامها، وهذا الوقت سيساعد إسرائيل على فهم طبيعة التغيير في سورية وبناء موقف على أساس التطورات. في خلاصة الدراسة، فإن إسرائيل لن تتضرر إذا تحقق أي واحد السيناريوات المذكورة. وتقول إن على الدولة العبرية أن تكون مستعدة اليوم لأسوأ الاحتمالات، بما في ذلك خطر نشوب حرب مع سورية.