ظهرت في الآونة الأخيرة حملات نسائيّة عدة مطالبةً بتفعيل دور المرأة في شتّى المجالات, وليس أخرها المسيرة النسويّة التي حصلت الأسبوع الفائت حيث رفعت شعارات ومطالب عدة وكان من أهمها تفعيل وتمكين المرأة في الحياة السياسيّة من خلال خطوات عدة، أبرزها إقرار الكوتا النسائيّة في القانون الإنتخابي. فما هي الكوتا النسائّية ولماذا تزداد المطالبة بإقرارها؟ الكوتا النسائيّة هي تخصيص نسبة محددة من مجمل المقاعد في أيّ من مجلس الوزراء، ومجلس النواب، والمجالس البلديّة وغيرها من المؤسسات العامة لضمان إيصال المرأة إلى مواقع التشريع والتنفيذ وصناعة القرار. ويعتبر كثيرون أنّ الكوتا النسائيّة يجب اعتمادها كحلٍّ موقت تلجأ إليه الدول لضمان مشاركة المرأة في الحياة العامة والانتقال من المجتمعات الذكوريّة الى مجتمعات تضمن المساواة بين الرجل والمرأة. ولا تتعدى نسبة تمثيل المرأة في المجلس النيابي اللبناني الحالي 3 في المئة فقط حيث تم انتخاب 15 امرأة فقط منذ عام 1953 حتى يومنا هذا. هذه المؤشرات أدت إلى نقاش حول إقرار الكوتا النسائيّة جرى تداوله قبل إقرار القانون الانتخابي الجديد. في تلك المرحلة كان هناك تأييد واسع من الكتل النيابيّة لهذا الاقتراح حيث أكّد الرئيس سعد الحريري في تصريح له خلال حفل إطلاق هيكليّة وزارة الدولة لشؤون المرأة أنّ الكوتا النسائيّة شرطٌ أساس في القانون الانتخابي الجديد بنسبة لا تقل عن 30 في المئة، في حين أكد رئيس مجلس النواب نبيه برّي تأييده للكوتا بنسبة ثلث المجلس النيابي، أي ما يعادل 33.33 في المئة من المقاعد النيابيّة. موقف حزب الكتائب اللبنانيّة لم يكن ببعيد عن بقية الكتل إذّ أعرب رئيسه النائب سامي الجميل عن موقفه الداعم للكوتا بنسبة لا تقل أيضًا عن 30 في المئة، وشددت عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب جيلبرت زوين على دعمها للكوتا مؤكدةً أنّ إقرارها يجب أنّ يشمل النتائج وليس فقط الترشيحات. وإلى ذلك، أبدى رئيس التيار الوطني الحرّ تفهمه لمطلب إقرار الكوتا زاعمًا رفضه الدخول في أيّ لائحة لا تضم العنصر النسائي. في الوقت الذي صرحّت فيه عضو الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة النائب ستريدا جعجع تأييدها إقرار الكوتا لدورتين أو ثلاث دورات نيابيّة على الأقل كمرحلةٍ انتقاليّة تساهم في تمكين المرأة سياسيّاً. أمّا حزب الله فكان موقفه واضحًا إذّ أعرب السيّد حسن نصرالله أنه ليس لدى الحزب نساء لهذه الوظيفة، في الوقت الذي غاب فيه أيّ موقف لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. هذا الدعم الكبير الذي أعربت عنه، علنياً، غالبيّة الأحزاب اللبنانيّة أدى إلى اعتقاد الكثيرين بإقرار الكوتا، إلّا أنّ ما صُرح به في العلن غاب في المجالس الخاصة وغابت معه الكوتا. وعلى رغم عدم إدراج الكوتا النسائيّة ضمن القانون الانتخابي الحالي بقيت آمال الكثير من الناشطات والناشطين النسويين كبيرة، ظنًّا بأنّ الأحزاب التي كانت داعمة لإقرار الكوتا لن تغيّر موقفها في الترشحات الحزبيّة، إلّا أنّ النتائج ونسب الترشيحات كانت كالتالي: - مرشّحة واحدة من أصل 16 ترشيحاً لحركة «أمل»، ما يعادل نسبة 6.25 في المئة - 3 مرشحات من أصل 38 ترشيحاً لتيار المستقبل، ما يعادل نسبة 10.5 في المئة - مرشّحة واحدة من أصل 19 ترشيحاً لحزب القوات اللبنانيّة، ما يعادل 5.26 في المئة، علماً أن الحزب يدعم ترشيحات نسائية أخرى على لوائحه - مرشّحتان من أصل 20 ترشيح للكتائب اللبنانيّة، ما يعادل نسبة 10 في المئة - مرشّحتان من أصل 46 ترشيح للتيار الوطني الحرّ، ما يعادل نسبة 4.35 في المئة - غياب تام للترشيحات النسائيّة في كل من الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب الله. هذه النسب تظهر مجدداً غياب نيّة الأحزاب التقليديّة لتفعيل دور المرأة في المجال العام ومراكز اتخاذ القرار في حين يتبيّن ارتفاع نسب ترشيحات المرأة في الأحزاب والتجمعات الحديثة الولادة. فعدد المرشحات في حزب سبعة مثلاً بلغ 9 من أصل 24 ترشيحاً، ما يعادل نسبة 37.5 في المئة، وسجّلت مجموعة «لِبلدي» السياسيّة أعلى نسبة ترشيح للمرأة التي بلغت 42.8 في المئة إذّ تم ترشيح 3 نساء من أصل 7 ترشيحات في كل من دائرة بيروت الأولى والثانيّة. وقالت الناشطة النسويّة نجوى ياسين أنّ إقرار الكوتا النسائيّة ليس منّة أو هبة من الأحزاب السياسيّة التقليديّة تجاه المرأة إنما هو حقّ بديهيٌ لها، معتبرة أنّ المشاركة المتدنيّة للمرأة في الحياة السياسيّة أمرٌ معيب بحق المجتمع بأسره وأنّ هذا التدني ليس سببه قلة الكفاءة والمؤهلات لدى المرأة بل سيطرة الذكوريّة على الحياة العامة وبخاصة تجاه المشاركة السياسيّة للمرأة، مشددة على أهميّة دور تجمعات المجتمع المدني في كسر هذه النظرة والسعي الى تفعيل وإشراك المرأة في شتّى المجالات. بعد النظر في نسب وأعداد المرشحات النساء ضمن ترشيحات الأحزاب السياسيّة التقليديّة يتبيّن مجددًا فشل هذه الطبقة في تبني ما قدّ وعدت به، ليس فقط لجهة الترشيحات النسائيّة ولكن أيضاً لجهة ايجاد حلول لأزمات النفايات والنقل والكهرباء والتلوث وصولًا إلى البطالة والغلاء المعيشي وغيرها من ملفات تبقى اقتراحات حلولها في «دُرج المجلس» إلى أن يحين استحقاق انتخابي جديد.