يشكّل قانون الانتخاب في لبنان، مدار بحث وجدل بين الأطراف السياسية، فضلاً عن خبراء قانونيين وجمعيات مدنية ضالعة في هذا المجال. وتكثر التصوّرات والسيناريوات المحتملة من ناحية النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر. وليس ببعيد من هذا الجدل، هناك معركة أخرى تخوضها الجمعيات النسائية تحديداً لانتزاع إقرار نظام الكوتا النسائية من صنّاع القرار، قبل أن يُتفق على قانون انتخابي يترك لبنان في وضعه التمثيلي الضعيف بالنسبة الى النساء في البرلمان، حيث تحظى اللبنانيات بنسبة 3.1 في المئة من حجم التمثيل في المجلس النيابي، أي ما يعادل 4 مقاعد من أصل 128 مقعداً، أو حتى يكون هناك تدهور أكثر من ذلك في حال الاستمرار في إقصاء المرأة عن الشأن العام. ففي وقت يشهد العالم تصاعداً في التأييد لنظام الكوتا النسائية كمدخل لإزالة العقبات من أمام المرأة في الحياة السياسية، وليصبح حضورها في البرلمان ثابتاً، لا تزال المشاركة النسائية في مواقع صنع القرار في لبنان غير عادلة أبداً. إعادة تحريك يعتقد كثر أنّ ثمة مسائل كثيرة عالقة حالياً سياسياً، أمنياً، اقتصادياً واجتماعياً في لبنان، وبالتالي ليس الوقت الأفضل لطرح موضوع الكوتا النسائية ومشاركة المرأة في البرلمان. لكن الأصح قوله، أنّه ليس هناك أفضل من هذا الوقت لإعادة طرح الموضوع المستجد دائماً، طالما لا يزال السياسيون وصنّاع القرار يتغاضون عنه. لذا، أطلق أخيراً تجمّع «نساء في البرلمان» الذي يضمّ أكثر من 120 منظمة من المجتمع المدني وجمعيات نسائية وغير نسائية، ويسعى إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، حملته تحت عنوان «مش معقول! بدنا حلول». وما يطالب به التجمّع، قانون انتخابات يضمن 30 في المئة كوتا نسائية لكي يكون هناك فعلاً تمثيل سياسي للمرأة، ويعيد التذكير باتفاق «سيداو» الذي نصّ على ضمان مشاركة المرأة في الحياة السياسية بما يكفل الترشّح والانتخاب وصوغ السياسة العامة. وتؤكّد الحقوقية ندى صالح عنيد، من تجمع «نساء رائدات» الناشط في حملة تجمّع «نساء في البرلمان»، ل «الحياة»، أنّ العمل يتركّز على اللقاء بالمسؤولين السياسيين وطرح موضوع الكوتا معهم في شكل حثيث. وقد شكّل المؤتمر الوطني الذي عقد تحت عنوان «التدابير الاستثنائية الموقتة لتعزيز التمثيل السياسي للمرأة من خلال قوانين الانتخاب»، الذي نظمته الأمانة العامة لمجلس النوات، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وبالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وتحالف «نساء في البرلمان»، خطوة رئيسة لجمع السياسيين من مختلف الأحزاب والتيارات في مكان واحد للتحاور حول الكوتا، وقد سجّلت مواقف كثيرة إيجابية وداعمة. من هنا، ترى عنيد أنّ السياسيين يلاحظون أكثر فأكثر أنّ القضية لن تنطفئ، وهي ليست مطلباً يمكن التغاضي عنه، بل هناك أكثر من 120 منظمة وجمعية تتحالف وتتعاون لإقرار الكوتا في أي قانون انتخاب يُتفق عليه. كما ترى أنّ المقارنات التي تظهّر من خلال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بين التمثيل النسائي في لبنان والعالم العربي وصولاً إلى البلدان الأجنبية، تضع صنّاع القرار في موقع محرج فعلاً، حيث تظهر مدى حجم الفارق والفجوة التي لا يمكن إلا ردمها من خلال الكوتا. الحد الأدنى أمّا عن النسبة المئوية الضرورية لتحقيق تمثيل عادل للمرأة، فلا يمكن أن تقلّ عن 30 في المئة، كما تقول عنيد، وذلك ليكون هناك فعلاً تأثير للمرأة ولا يكون حضورها في البرلمان صورياً. أما كل ما يتم تداوله اليوم من نسب بين السياسيين مثل 10 و15 في المئة، فلا يحقق الهدف من الكوتا وفق الناشطة الحقوقية. ففي مقررات مؤتمر بكين 1995، تمّ تأكيد ضرورة تعزيز تمثيل المرأة في برلماناتها الوطنية بنسبة 30 في المئة وأكثر، ما يتيح لها المشاركة الفعالة في التشريع وسنّ القوانين. علماً أنّ الحكومة اللبنانية التزمت توصيات مؤتمر بكين، لكن حتّى الآن كل ذلك يبقى من باب الديبلوماسية من دون أن تكون هناك أي تطبيقات فعلية لما يتمّ الالتزام به. ومع تأكيد عنيد دعم التحالف كلّ امرأة ترغب في أن تترشّح الى الانتخابات النيابية حتى لو كانت مستقلة، تبقى رسالتها موجّهة إلى النساء في الأحزاب اللواتي تعنيهن هذه القضية أكثر من أي شخص آخر، داعية إياهنّ الى التحرك ضمن أحزابهن للمساهمة في إقرار الكوتا النسائية، التي تضمن حقّهن في الترشّح والوصول إلى البرلمان حيث يمكن أن يخدم العمل السياسي الفعلي الشعب ويحقق مبتغاه.