تنشغل جمعية «نساء رائدات»، كما معظم اللبنانيين، بالقانون الانتخابي الجديد الذي تحاول القوى السياسية اللبنانية التفاهم عليه وإقراره قبل 20 حزيران (يونيو) المقبل، تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية. ما يهم «نساء رائدات» من القانون الجديد هو اعتماد «الكوتا» النسائية من أجل ضمان تمثيل المرأة في البرلمان بنسبة لا تقل عن 30 في المئة في الانتخابات المقبلة، قبل الوصول لاحقاً إلى المناصفة لتصبح المرأة ممثلة بنسبة 50 في المئة في مختلف المجالات السياسية. وعلى رغم أن القانون اللبناني ألغى التمييز ضد المرأة في الحقوق المدنية والسياسية منذ عام 1953 عندما أقرّ حقها في المشاركة في الانتخابات العامة ترشّحاً واقتراعاً، لا تزال مشاركة المرأة في الحياة السياسية ضعيفة جداً، إذ يحلّ لبنان في المرتبة ال143 من بين 144 دولة في العالم في عدد نساء البرلمان، وفق دراسة «المنتدى الاقتصادي العالمي 2016». فهناك اليوم 4 نساء في البرلمان فقط من أصل 128 نائباً أي بنسبة 3 في المئة، ووزيرة واحدة في الحكومة، إضافة إلى أن المرأة لم تتبوّأ أي منصب من المناصب الأولى في الدولة. هذا الواقع السيء، أدى إلى تشكيل تحالف «نساء في البرلمان» عام 2012 الذي يضمّ اليوم نحو 150 جمعية لبنانية وناشطين وناشطات في المجتمع المدني، من أجل تعزيز المشاركة السياسية للمرأة وإقرار «الكوتا» في أي قانون انتخابات جديد يمكن اعتماده، وفق ما تقول جويل رزق الله، العضو المؤسس في جمعية «نساء رائدات» إحدى الجمعيات الرئيسة في تحالف «نساء في البرلمان». وتواجه المرأة اللبنانية معوّقات عدّة، اجتماعية وسياسية، تحول دون دخولها الحياة السياسية، من أبرزها «غياب الإرادة السياسية الحقيقية وتقاعس الأحزاب عن إدخال المرأة أو دفعها للمشاركة في الحياة السياسية، وأكبر دليل على ذلك هو غيابها عن المجالس السياسية لمعظم الأحزاب»، وفق رزق الله التي تضيف أن «هناك دائماً من يحاول الحدّ من وجود المرأة في مواقع القرار، وفي حال وجدت يكون ذلك في مناصب يحددها الرجال». إضافة إلى «العقلية الذكورية المسيطرة في بعض المناطق كما حصل في بلدة حاصبيا الجنوبية مثلاً في الانتخابات البلدية الأخيرة» عندما رفض بعضهم مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، وطالبوا بمقاطعة أي لائحة تضم نساء. وتنشط جمعية «نساء رائدات» على ثلاثة محاور رئيسة لتخطّي هذه المعوقات، أوّلها الإعلام عبر زيادة ظهور النساء في البرامج التلفزيونية والإذاعية لتسليط الضوء على كفاءات هؤلاء النساء وتعريف الجمهور بهن وبأفكارهن وتأكيد قدرتهن على تبوّؤ مناصب سياسية. كما تعمل الجمعية مع النساء أنفسهن لتطوير قدراتهن وتشجيعهن على ممارسة حقهن في المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية عبر نشاطات وبرامج مختلفة. كذلك تعمل مع الأحزاب والقوى السياسية الموجودة وصانعي القرار من أجل تأكيد دعمهم واعترافهم بأهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية وإشراكهم في هذه العملية لتغيير السياسات العامة السائدة. وبدأت تعلو أخيراً في شكل أكبر أصوات قوى سياسية حول ضرورة زيادة نسبة تمثيل المرأة في المناصب السياسية، إذ دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى التوافق على قانون انتخاب انطلاقاً من الكوتا النسائية، في حين أكّد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أنّ الكوتا النسائية شرط من شروط قانون الانتخاب الجديد. وعلى رغم هذه التصريحات وغيرها، إلاّ أن الوضع على الأرض لا يزال يقتصر على الكلام ولا شيء ملموساً، باستثناء ما قام به حزب الكتائب اللبنانية الذي برهن أقواله بتطبيق الكوتا النسائية، بداية في انتخابات مكتبه السياسي، إذ انتخبت أربع نساء من أصل 16 عضواً، وبتقديم رئيسه سامي الجميل قبل شهرين اقتراح قانون يرمي إلى إعفاء المرأة المرشحة للانتخابات من رسم الترشّح والتأمين الانتخابي، موقتاً لمدة دورتين انتخابيّتين، من أجل تشجيع النساء على الترشّح وزيادة نسبة تمثيلهن في البرلمان. وتؤكّد رزق الله أن تحالف «نساء في البرلمان» قدّم دراسة مفصّلة حول آليات تطبيق «الكوتا» النسائية في مختلف الأنظمة الانتخابية المقترحة في لبنان. وقد سلّمت هذه الدراسة إلى رؤساء الأحزاب جميعهم، وأيّدت خمسة من الأحزاب الرئيسة اعتماد الكوتا النسائية في البرلمان وهي: «القوات اللبنانية»، «الكتائب اللبنانية»، «التقدمي الاشتراكي»، «حركة أمل» و«تيار المستقبل». في حين انقسم «التيار الوطني الحر» بين نصف مؤيّد ونصف معارض، وعارض كل من «حزب الله» و«تيار المردة». ويلقي بعضهم اللوم على المرأة في موضوع ضعف مشاركتها في الحياة السياسية، ويتهمونها بالتقاعس في المطالبة بحقّها وتفعيل مشاركتها في العمل السياسي، إلاّ أن رزق الله لا توافق على هذه الاعتقادات وتوضح أن تحالف «نساء في البرلمان» يضمّ أكثر من 500 سيدة «ما يثبت أن هناك حاجة لدى النساء بأن يجتمعن حول قضاياهن في مكان واحد»، وتشير إلى أن «كثيرات ترشّحن للانتخابات البلدية والنيابية ومنهنّ ناشطات فاعلات في المجال السياسي». وتؤكّد رزق الله أن «المرأة في لبنان تريد العمل في الشأن السياسي، بدليل أن هناك 40 إلى 60 في المئة من المنتسبين إلى الأحزاب نساء، كما أنّ المرأة جاهزة ولديها الرغبة في أن تكون في مواقع سياسية، ففي انتخابات 2009 كان هناك فقط 12 مرشحة، فازت 4 منهن، ليرتفع هذا العدد إلى 44 عام 2013، أي نحو أربعة أضعاف، ما يؤكّد ازدياد رغبة المرأة بالانخراط في الحياة السياسية». وإذا اعتمدت الكوتا، سيكون هناك 38 امرأة في البرلمان اللبناني من أصل 128 عضواً. وهذا الرقم يعني، وفق رزق الله، «بداية لحل مختلف القضايا العالقة والقوانين المجحفة بحق المرأة اللبنانية، كما أنها ستصبح أكثر قدرة وفعالية في العمل على مواضيع تخصها على مختلف الأصعدة لا سيما الاجتماعية وقضايا الأحوال الشخصية». العمل مستمر وحثيث بكل ما أتيح من وسائل، والاعتراض سيكون قوياً إذا لم يلحظ القانون الانتخابي الجديد «الكوتا» ضمن مواده، وفق ما تقول رزق الله التي تجزم أن «الكوتا» ليست إلاّ البداية نحو تحقيق مجتمع عادل ومنصف للمرأة. لا للتمييز الجندري واكبت 25 سيدة يمثلن منظمة البرلمانيات العربيات، سباق السيدات الذي نظمته جمعية "بيروت ماراثون" في مدينة جونيه شمال العاصمة اللبنانية أخيراً، وشاركت فيه 1026 عداءة من جنسيات مختلفة، ورفعن الصوت تأكيداً لحق المرأة العربية في عضوية البرلمانات. كما أطلقت جمعية "نساء رائدات" بياناً تلاه وزير الداخلية السابق زياد بارود، حول المناصفة في مجلس النواب اللبناني والوصول إلى مراكز القرار والمشاركة الفاعلة وإلغاء التمييز الجندري.