ما هو الفارق بين الجهل والغباء؟ ربما وجدنا الجواب في عادة التدخين، فحتى الستينات من القرن الماضي كان المدخن جاهلاً، لأن علاقة التدخين المباشرة بسرطان الرئة، وغير المباشرة ببضعة عشر مرضاً قاتلاً آخر، لم تكن معروفة. غير أن نصف قرن مضى منذ ذلك الحين وفي كل يوم معلومات جديدة عن أضرار قاتلة للتدخين يعرفها المدخن، الذي قد يجد على علبة السجاير تحذيراً حكومياً يقول «التدخين يقتل»، ما يعني أن المدخن لم يعد يستطيع أن يدّعي الجهل، فتصبح التهمة الموجَّهة إليه هي الغباء، لأنه يمارس عادة يَعرف أنها قد تقتله. شخصياً لا أتهم المدخنين اليوم بالغباء، فأنا لم أدخن في حياتي، إلا أنني أعرف أن هناك إدماناً يتجاوز التدخين، الى المخدرات والخمر وغير ذلك، وأن المدمن قد لا يستطيع فك إسار نفسه من عادة قاتلة، فأكتفي بالابتعاد عن التجربة. الجهل يمكن علاجه بالتعليم، غير أن الغباء الى الأبد، ففي حين أن الجاهل يستطيع أن يقرأ ويسمع ويتابع ليكتسب حدّاً من المعرفة، فإنه لا يوجد دواء، من حبوب أو إبر طبية أو «لزقة»، يتناوله الغبي ليصبح بشراً سوياً. وكنت وقعت يوماً على دعاية لشيء اسمه «موسوعة الغباء»، ولم أحاول شراءها خشية أن أصاب بالعدوى، ثم وجدت أن هناك «موسوعة الجهل»، وهذه لا أحتاج اليها لأنني من الوطن العربي الكبير، والجهل في بلادنا خالَطَ الهواء والماء كما خالط البخلُ أهلَ مرو. بعض الناس من الغباء أنه يذكِّرني بزجاجة الكوكا كولا، فهو فارغ من رقبته الى ما فوق، وهو لو كان عنده فحص دم لبقي في الليلة السابقة يذاكر، واذا أفاق في الصباح لا يستطيع أن يرتدي حذاءه من دون كتاب التعليمات. الشقراء وضعت على حذائها نوتة تقول: أدخلي أصابع القدمين أولاً. وثمة طُرَفٌ كثيرة عن غباء الشقراوات، إلا أنني لا أعتقد ان الشقراوات غبيات، لأنني لم أستطع أن أضحك على واحدة منهن بعدُ، ثم إن المشكلة أن أكثرهن شقراوات بالكيمياء لا الولادة، والرجل الذي سئل هل زوجته شقراء أو سمراء قال انه لا يعرف، لأنه عندما تركها في الصباح كانت ذاهبة الى صالون التزيين. ربما كانت مشكلة الشقراوات ان الطُّرَف عنهن يكتبها رجال خابوا معهن، وقرأت عن شقراء ذهبت الى الطبيب وشكت من أن كل شيء في جسمها يؤلمها، وهي وضعت إصبعها على قدمها وصرخت: آخ، إنها تؤلمني، ووضعت إصبعها على كتفها وصرخت أيضاً متألمةً، وقالت للطبيب: دكتور انظر، حتى عندما أضع إصبعي على شعري أشعر بالألم، ورد الطبيب: إصبعك مكسور. وكنت أشك في نسبة كلام إلى آينشتاين، هو: أكثر عنصرين في العالم الهيدروجين والغباء، ولم أجد في أي مرجع العبارة هذه منسوبة إليه، ما أثبت شكّي في أصلها، فهي تبدو وكأنها من نوع الكلام الذي يقوله آينشتاين. إلا أنني وجدت عبارة أخرى قالها صاحب نظرية النسبية، هي أن الغباء هو أن يفعل إنسان الشيءَ نفسه مرةً بعد مرة ويتوقع الحصول على نتائج مختلفة. المخترع توماس إديسون لا يمكن أن يُتهم بالغباء، فهو في محاولة الوصول الى النتيجة المطلوبة كان يغير ما يفعل. ويبدو انه كان عنيداً بقدر ما هو ذكي، فقد حاول مرة ألفَ طريقة للوصول الى ما يريد وعجز، وعندما لامه مساعدوه قال: على الأقل، الآن نعرف ألف طريقة لا توصلنا الى هدفنا. لا بد أن كل عربي إديسون زمانه، فكلنا يعرف، بل مارس، ألف وسيلة لا توصلنا الى أي هدف غير مزيد من الجهل، حتى بِتُّ أشعر بأن مهمة العربي في هذه الحياة الدنيا أنه أفضل علاج لمصاب بعقدة نقص من البلدان الأخرى. وأعرف أنني أقسو، إلا أنني أفعل مدركاً أنني جزء من المجموع الذي أقسو عليه، وقد عملت في الصحافة لأنني لم أستطع أن أكون طبيباً أو مهندساً، ثم وجدت من الأطباء والمهندسين من لا يعرف سوى عمله فقط، حتى أنني إذا تجاوزت مع هؤلاء الطبابة والهندسة، أصبح بالمقارنة عالم فيزياء نووية. ربما كان أخطر ما في الموضوع، أن العربي الجاهل لا يدرك مدى جهله، لذلك نراه يبدي رأيه في أمور الدنيا والدين، وهو أكثر ما يكون إصراراً على رأيه في المواضيع التي هو أكثر جهلاً بها. غير أنني لا أريد أن أسترسل في هذه النقطة، لأن عبارة «أمور نجهل أننا نجهلها» سبقني اليها دونالد رامسفيلد، وأنا جاهل كثيراً ولكن ليس الى درجة أن أقلده. وأترك القارئ مع ولد سقط في الامتحان، وعندما سأله أبوه عن السبب قال: ربما كان الأمر وراثياً. ورأى أباه يغضب فأكمل بسرعة: انظر الى الناحية الإيجابية، على الأقل لم أغش في الامتحان. هذا الولد جاهل ولكن ليس غبياً. [email protected]