كثيراً ما ينعت المرء ذاته بالكثير من الألقاب في بعض المواقف، مثل أنا ساذج، أو طيب، أو محبط، أو متفائل، أو ربما جبان..لكنه من الصعب حقيقة أن تكتشف بأنك غبي..دون أن تطلق على نفسك ذلك اللقب..ليس لشيء سوى أنك تعيش حالة الغباء تلك دون أن تشعر، من خلال مواقفك التي تكررها بجملة أخطائها، وبالكثير من تفاصيلها المستمرة.. فأن تكون غبياً في الحياة لا يعني ذلك بأنك لا تفهم، فالغباء الحقيقي هو أن تفهم كل شيء، وتقيّم الخطأ والصح وتراه بشكله الصارخ ثم لا تفعله، وذلك هو الغباء القبيح!. مغالطون! في ممر الوجوه الطويل الذي نتفقد فيه أصابعنا الباحثة عن أرواح تشاركنا الدرب في الحياة..نلتقي بأناس -أغبياء- كثيراً أو ربما إذا جاز التعبير هنا أن نسميهم بالمغالطين، والذين يمارسون المغالطات مع أنفسهم أولاً، يحدث ذلك حينما يقولون ما يعرفون جيداً بأنه غير صحيح، ويفعلون مايسيء لهم، وما يمكن أن يضعهم في قائمة الأشياء التي تهدر قيمتها في الوجود، تلك الشخصيات تجدها «تغالط» حتى مصالحها الشخصية، تسير في طريق تعرف بأنه سيقودها إلى المخاطر كمدمن المخدرات الذي يحقن دمه بسموم يعلم بأنها قد تميته فيفعل مستلذاً بذلك، إلاّ أنّ المعنى الأشمل هنا «للغباء الذي يقودك للمغالطة» في بعض المواضع يكون أعمق وأكثر خطراً، ويحدث ذلك حينما تتعامل مع أناس منحوك الكثير من الحب والاحترام فتخون فيهم الوفاء، حينما تعادي شخصاً لم يسئ لك يوماً فقط؛ لأنه ناجح. مشاعر الغير حينما تجرح مشاعر الغير دون وجه حق وتعلم بأنهم يستحقون منك حزمة من الورد، حينما تتخلى عمن يصدق في الحياة لأنك -بغباء- قررت أن تحذو خطوات من يخطط لأن يقودك لطريق مظلم..بعلمك وبمعرفتك يحدث كل ذلك، فتغالط ذاتك، وتضعها على مفترق طريق «القيم»، وتبقى أسير قرار غير حكيم بأن تكون أيضاً «غبيا»..ذلك الغباء الذي يدفعك لحالة غير معقولة من التخبط الذي قد لا تراه في وقته، فالشخصيات التي تدور حول ذاتها لا ترى الدائرة التي تستدير معها، لكنها تفهم فقط أن الأشياء تتكرر من حولها دون أن تعرف أن الدائرة من تدور وليست الأشياء التي تتكرر..فما نرغب هنا أن يتكرر من الأخطاء وسوء تقديرنا للمواقف هي الدافعة بنا إلى حالة من «الغباء» الدائم الذي يلوننا بلون واحد هو الجهل بمصالحنا الجميلة والنبيلة التي لابد أن نحرص دائماً على تلميعها «بملمع زجاج الوعي، وبفوطة ناعمة من الشجاعة»..الشجاعة في أن تقيم مختلف الحروب التي تقودك إلى النصر ليس فقط على من يتعمد أن يضعك تحت خط «الغباء» والاستغفال؛ بل الحروب التي تدق طبولها حتى على الذات، فتنتصر على ذاتك الضعيفة وتقرر أن ترى الأشياء كما هي بحلوها ومرها، بخطئها وصوابها، بلونها الأسود وبشيء من بياضها، باكتمالها وبأنصافها، بتوازنها وتأرجحها، بامتلائها وبالفراغ الذي يسكنها، فلاتقول إلاّ ما تعلم جيداً بأنه الحق، ولا تفعل سوى ماتؤمن بأنه العدل، ولا تقرر إلاّ ما يمكن أن يقودك إلى التصالح مع «الذات» فأجمل شيء في الوجود أن تتصالح مع الأشياء فكيف حينما يحدث ذلك مع النفس. رياح الظروف وكما يحدث أن تكون غبيا مع ذاتك..يحدث أيضاً أن تكون غبيا مع الآخرين حينما تترك لهم قيادتك كعربة متدحرجة بسرعة جنونية قد تصطدم بأقرب حائط يواجهها، يحدث أن نلتقي بمثل هؤلاء في الحياة -وربما أول سؤال يخطر بأذهاننا- لماذا يسمح هذا للآخرين بأن يتحدثوا باسمه ويقرروا عنه كل مايتعلق به، ويوجهونه كيفما شاء..على الرغم من أنه قد يكون شخصا عاقلا ومتعلما وكبيرا، إنّ من أكثر الأمور سوءا أن تترك زمام نفسك لدى أشخاص يحركون خيوط حياتك كيفما رغبوا وأنت تعرف ذلك و»بغباء» تسمح لهم أن يفعلوا «فالمرأة التي تدرك بأن استمرار حياتها» مع زوج ظالم ومستبد، يضربها في كل يوم ليهينها في المساء «هي امرأة تغالط كل العدل الذي وضعه الله في الأرض»؛ فتتحول إلى غبية لكنه الغباء الذي يوصم بوصمة الظلم لنفسها، «فتركت لرجل ظالم أن يقود عجلة حياتها ليوصلها إلى الامتهان في كل يوم حتى تموت»..وكذلك الرجل الذي يسمح لأي شخص حتى إن كان «مسؤوله» في الوظيفة أن يستبد به ويبخس حقوقه ويضعه فوق الرف، فإنه يتصرف بغباء الذي يستلذ بظلم الآخر به دون أن يدفع من أذاه، وكذلك الصديق الذي يدع صديقه السيئ أن يقرر عنه أموره الشخصية وهو يفهم بأنه الخطأ الكبير فإنه غبي يدع الباب مواربا لرياح الظروف أن تسير حياته كيفما شاءت. مواقف الحياة نحن فقط من نقرر أن نكون أغبياء..أغبياء في مواقف الحياة متى مارغبنا بذلك، نفهم مانريد أن نفهمه، ونتجاهل مانريد أن نقنع أنفسنا بأننا لا نفهمه..حتى لو آمنا بأنه الحقيقة..فما أصعب طعم الغباء الذي تدمر به «قلبك» وتعلم بذلك لكنك تترك هذا القلب يدوسه الآخرون وتستوطن أقدامهم بيوته، وما أصعب الغباء الذي يجعلك تستلذ بتعذيب الآخر إليك -شعر بذلك أم لم يشعر- وما أكثر الوجع الذي يحولك «الغباء» فيه إلى مستغل بذريعة «الطيبة»، وما أكبر حجم الغباء الذي ترتدي فيه ثوب الخذلان؛ لأنك خلعت معطف الثقة لترميها في حجر من لايستحقها..من عرف بأنك تثق به كثيراً فخان لأنه يعلم جيداً بأنك حينما تسير أمامه ستكون متأكداً بأنه لن يخرج «سكيناً» ليدسها بظهرك فلاتلتفت لتنظر إليه..ما أصعب الغباء حينما يتحول إلى صفة ملتصقة بنا فقط لأننا «أنقياء»، وما أجمل أن ينعتنا الآخرون بالغباء؛ لأننا «إنسان بوجه صادق».. نرفض أن نطغى حينما نملك زمام الأمور، ونرفض أن نسيء حينما يسيء الآخرون، ونرفض أن نتسخ حينما يتلطخ الآخرون، ونرفض أن نتخلى حينما يتخلى الآخرون، ونرفض أن نتوقف عن الهرولة صوب النجاح حينما يتوقف الآخرون، ونرفض أن نقسوا حينما يقسوا علينا الآخرون، ونرفض أن نترك قيمنا حينما يترك الآخرون. جمال الغباء! ما أجمل أن يصفك البعض بالغباء فقط لأنك (إنسان) كامل تنبض بالإنسانية وتصر أن تسرح شعرك وتقلم أظافرك؛ لأنك تعلم بأنك في كل يوم على موعد مع الصدق..الصدق الذي لفرط بياضه يعدل معك فيخرجك من «بيوت الأغبياء» ليسكنك في قصور الأنقياء..ما أجمل الغباء الذي يدفع الأم لأن تقدم تضحياتها من أجل أطفالها، ما أجمل الغباء الذي يدفعك لأن تحني ظهرك ليرتفع والديك فوقه، ما أجمل الغباء الذي تشبك فيه يديك ليضع حبيبك قدميه ليصعد عليهما، ما أجمل الغباء الذي يدفعك لتنفق كل مالك حتى يأكل ويعيش الفقراء، ما أجمل الغباء الذي يدفع كلا الزوجين أن يقاتلا من أجل الاستمرار والتغاضي عن الهفوات، ما أجمل الغباء الذي يدفعك لأن تسأل عمن قطعك، وتتسامح مع من أخطأ في حقك..ما أجمل أن تبتسم وتقول لنفسك «صحيح أنا غبي»..لأنك صافحت بيدك من ضربك يوماً دون أن يعتذر..تقولها بغبطة وفرح..لأنك تقصد..كم أنا نقي!.