تحلُ الشارقة، بعدما اختارتها "منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (يونيسكو) عاصمة للكتاب العالمي للعام 2019، ضيفاً على معرض باريس الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين، كمدينة ثقافية. هذا الحدث الذي يستمر حتى التاسع عشر من الشهر الجاري، بدأت الشارقة أمس بإحيائه في جناحها وفي قاعات المعرض، عبر ندوات وأمسيات شعرية ولقاءات أدبية وفنية، علاوة على عروض موسيقية تراثية في هواء باريس الطلق في الساحات العامة... في ساحة الأوبرا والتروكاديرو ومونمارتر، إضافة إلى حديقة جان مارس خلف برج إيفل وباحة معهد العالم العربي. واللافت أن الشارقة المدينة الضيف، تلتقي روسيا الدولة الضيف التي يحتفي المعرض هذا العام أيضاً بأدبها وأدبائها. أربعون كاتباً روسياً يلتقون في أرض المعرض أربعين كاتباً إماراتياً يقدمون جميعاً تجاربهم، ويقرأون من أعمالهم ويلتقون جمهوراً متنوعاً، ويوقعون كتبهم التي ترجمت إلى الفرنسية في المناسبة. لم تشأ إمارة الشارقة أن يكون حضورها بالاسم فقط، وأن يكون الاحتفاء بها مجرد احتفاء إعلامي، بل سعت إلى ترسيخ صورتها الثقافية وتقديم نماذج من مشروعها الثقافي الشامل والمتنوع. ولعل إقدامها على نشر كتب إماراتية، في حقول شتى، مترجمة إلى الفرنسية، يُعبر حقاً عن مضيها في نشر الثقافة الإماراتية عالمياً. وتعبيراً عن كونها مدينة عربية أيضاً، دعت الجهات المنظمة كتّاباً وشعراء ونقاداً من العالم العربي للمشاركة في الندوات والأمسيات. انطلقت تظاهرة الشارقة الثقافية بحفلة موسيقية أحياها الفنان فيصل الساري، وهي عبارة عن كونشرتو إماراتي بعنوان "حلم زايد". ولقي العزف ترحاباً كبيراً لدى الجمهور، فهو يعتمد الإيقاعات الشعبية الرائجة في الإمارات والتي تعبر عن مشاعر الناس في أحوالهم كافة. أما برنامج الشارقة الثقافي والأدبي والفني، فحافل وتشارك فيه جهات عدة، ويتوزع بين ندوات فكرية وأمسيات شعرية وقراءات ومعارض. أولى الندوات حملت عنوان "زايد الخير"، وشارك فيها الكاتب محمد المر عضو مجلس أمناء مؤسسة الإمارات للآداب، ووزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ، الذي كان افتتح الدورة الأولى لمعرض باريس العام 1981، ويشغل راهناً رئاسة معهد العالم العربي في باريس. وأدار الندوة الكاتب علي بن تميم المدير العام لمؤسسة "أبو ظبي للإعلام"، وتناولت الشيخ زايد في الذكرى المئوية لميلاده التي تحتفي بها الإمارات. من الندوات البارزة أيضاً واحدة عن النشر في الإمارات، شاركت فيها الشيخة بدور القاسمي والناشرة الفرنسية إيدويج باسكيه، وأخرى عن "الأثر الخالد" المتمثل في المعطى التراثي والآثار التي يتركها في أحداث التاريخ. وتتناول ندوات ظواهر عدة مثل: الكتب الفرنسية في منطقة الخليج، والكتابة للأطفال في العالم العربي، والقصة القصيرة ومشكلاتها، وكتب اليافعين، والمرأة والأدب، والإبداع المسرحي. ويشارك في الأمسيات الشعرية والأدبية جمع من الشعراء والروائيين والقاصين بينهم حبيب الصايغ، وظاعن شاهين، وعلي الشعالي، وناصر الظاهري، وخلود المعلا، ولولوة المنصوري، وسلطان العميمي، وشهاب غانم، وصالحة غابش وسواهم. نجحت إمارة الشارقة في جعل استضافتها في معرض باريس الدولي للكتاب حدثاً ثقافياً إماراتياً بامتياز، كما نجحت عبر برنامجها الحافل بمخاطبة الجمهور الفرنسي، وتقديم صورة شاملة له عن الثقافة الإماراتية التي تحمل شعلتها.