هل حان الوقت لتقويم تجربة البريد الإلكتروني عبر «فايسبوك»؟ لنتركْ حديث الأرقام، لأنه أحياناً أقرب الى التجارة والترويج، ولنبدأ بتأمل المعالم العامة للصورة التي صنعها وضع هذا البريد، الذي أُطلِقَ قبل بضعة شهور. منذ سنوات، دأبت منظمات حماية الحقوق الفردية والحريات على الإنترنت، مثل منظمة «سيتيزنز إلكترونك رايتس» Citizens Electronic Rights، على رفع صوت التحذير من عواقف مراكمة المعلومات الشخصية على صفحات «فايسبوك». ولا تتوقف الصحف عن نشر الأخبار والقصص التي تدور حول محور وحيد، هو انكشاف الأفراد بأثر من المعلومات والصور والأشرطة التي يضعونها على هذا الموقع الذائع الصيت. كأنما لا يكفي هذا الزحام من المعلومات، فأضيفت إليه رسائل البريد الإلكتروني التي تخص الفرد وأسرته وعمله. أليس من الخطورة وضع هذه المعلومات كلها في مكان مفرد؟ ألا تتوالى الأخبار بصورة متصلة عن اختراق مواقع الشركات الكبرى لسرقة المعلومات الشخصية لجمهورها؟ المعلومة بوصفها ذهباً ثمة أمر يعرفه المهتمون بالشأن المعلوماتي: في عصر المعلوماتية، تكون المعلومة هي الشيء الأكثر أهمية. ويشيع وصف المعلومات الشخصية بأنها منجم ذهب شركات الصناعة الرقمية كافة. من هذا المنظار، يمكن فهم اهتمام صُنّاع «فايسبوك» بمحاولة الحصول على المزيد من المعلومات الشخصية عن كل فرد يستخدم هذا الموقع، بل إن البريد الإلكتروني وعناوينه ورسائله ومحتواه، تصبح كنزاً مذهلاً للثروة. ماذا عن الجمهور؟ ما الذي أفاده من هذا الانكشاف المريع؟ في المرة المقبلة، لن تقتصر سرقة المعلومات على العمر والصورة والميول الشخصية وعنوان المنزل وعناوين الأصدقاء وأرقام السيارات وأسماء مدارس الأطفال وغيرها، بل تضاف إليها الرسائل التي يتبادلها الفرد مع أهله وأصدقائه وزملائه ومركز عمله وغيرها؟ أي صورة مريعة يرسمها بريد «فايسبوك»؟ خلال الشهور القليلة من تجربة الجمهور مع بريد «فايسبوك»، اشتعلت نيران النقاش حول هذه الخدمة وأوضاعها، ولم يتردد البعض في طرح أسئلة من نوع: «هل نستطيع ان نأمن هذا الموقعَ على بريدنا إذا كانت الشكوك تساورنا حيال قدرته على حفظ خصوصية معلوماتنا، وحماية صفحاتنا الشخصية فيه؟». على رغم جماهيريته الضارية (وربما بسببها) والأعداد المليونية لمستخدميه، لم يخلُ تاريخ موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» من الانتقادات المريرة التي تستهدف دوماً قدرته على حفظ الخصوصية الفردية لمستخدميه، إضافة إلى الشبهة الدائمة التي تحوم حول إتجاره بالمعلومات المتراكمة فيها، وبيعها لشركات الإعلانات. ثمة تجربة مشابهة، فقبل 3 سنوات تذمّر جمهور «فايسبوك» من التعديلات التي أدخلها على نظام التجوّل بين صفحاته والدخول عليها. وبصورة مزمنة، يشكو «فايسبوك» من ضعف في نُظُم الحماية، ما يجعله مساحة مستهدفة من قِبل المتطفلين الإلكترونيين، الذين لا يتورع بعضهم عن استعمال هذه المعلومات وسيلةً لابتزاز أصحابها. الأرجح ان نقاشاً كهذا يطول كثيراً. إنّه «نظام مراسلة إلكتروني حديث، وليس ببريد إلكتروني»، بهذه الكلمات وصف مدير «فايسبوك» التنفيذي مارك زوكربرغ، خدمةَ التراسل التي يُزْمِع الموقع جعْلَها جزءاً أساسياً من تكوين الصفحات الشخصية فيه. ولكن، مهما اختلفت التسمية التي يفضّلها هذا العبقري، البالغ من العمر 26 عاماً، على الخدمة الجديدة، فإن تسمية البريد الإلكتروني التصقت بها سريعاً، إذ يتداولها معظم المهتمين بشؤون التكنولوجيا الرقمية. وتهدف هذه الخدمة، التي جرت تجربتها على قاعدةٍ صغيرةٍ من المستخدمين، إلى دمج الرسائل الفورية والمراسلات النصية المتوافرة في صفحات «فايسبوك»، مع البريد الإلكتروني، ما يعطي هذه الخدمة نكهة تميّزها عن البريد الإلكتروني بأشكاله الشائعة. وتتيح هذه الخدمة إنشاء «سجلّ محادثات»، ما يعني أنه مهما تعددت الطرق التي قد تتصل بها مع شخص ما (مثلاً، عبر رسالة نصية قصيرة أو رسالة فورية أو بريد إلكتروني)، فإنها تظهر في السجّل، ما يسهّل معاينتها، خصوصاً أنها تتجمع في «ركن» معيّن في صفحتك الشخصية في «فايسبوك». وعلى غرار بقية مواقع البريد الإلكتروني، سيتلقى مستخدمو هذه الخدمة عنواناً لبريدهم الإلكتروني، تظهر فيه مرجعية «فايسبوك»، بمعنى أنها تتخذ شكلاً خاصاً بهذا الموقع، فتكون @facebook.com. ويُلحق ببريد الرسائل نوع من «صندوق بريد اجتماعي» يتيح تصفية الرسائل، بحيث تتقدّم الرسائل الآتية من الأصدقاء على ما عداها. فترة من التأني مازال الكثيرون يعمدون إلى التأني قبل الحديث بشكل مباشر عن مدى ثقة المستخدمين بخدمة «فايسبوك» البريدية، خصوصاً أنها تتدخّل إلى حدّ كبير بشؤونهم الشخصية اليومية. وتشغل هذه المسألة أيضاً كثيراً من متابعي الشأن المعلوماتي. وفي هذا الإطار، وضع موقع «زد نت» ZDnet، المتخصص بشوؤن التكنولوجيا الرقمية، رأياً لأحد الاختصاصيين يُعْرِب فيه عن قناعته بأن أهم ما في الخدمة الجديدة هو «صندوق البريد الاجتماعي»، حيث تتجمّع رسائل من أنواع مختلفة، وليس حصراً تلك التي تأتي من البريد الإلكتروني، ثم تجري تصفيتها. وأوضح هذا الاختصاصي أن «فايسبوك» يستخدم معرفته بلوائح الأصدقاء عند مستخدميه لتصفية الرسائل، بحيث تتصدرها تلك التي يرى الموقع أنها أكثر أهمية (وبهذا المعيار)، على حساب رسائل قد تكون أكثر أهمية فعلياً، لكنها ليست في قائمة الأصدقاء، مثل الرسائل المتصلة بالتوظيف والعمل والتعامل مع المؤسسات والسلطات الرسمية وغيرها. وشدّد هذا الاختصاصي على أن إطار التكامل السهل الذي يروّج له زوكربرغ وفريق «فايسبوك»، يستند إلى فكرة مفادها أن يتمكّن المستخدم من تلقي رسالة فورية على شكل رسالة نصية قصيرة أو تلقي رسالة نصية قصيرة على شكل بريد إلكتروني، ما يتيح للأشخاص استخدام أداة الاتصال التي يفضلونها من دون القلق بشأن كيفية رؤيتها أو الرد عليها. وفي المقابل، أبدى اختصاصي آخر نقداً مغايراً، عبر موقع «رد رايت ويب» Red Right Web. ورأى أن النقاش يذكِّر بجدالات سابقة حول مسألة الخصوصية الشخصية في «فايسبوك»، ومدى ثقة الجمهور بأن الموقع يعطيها له ويحترمها في ممارساته. وقال: «أثناء الإعلان عن المنتَج الجديد، ثارت حفيظة مسؤولي «فايسبوك» عندما سأل أحد الحاضرين عما إذا كانت الخدمة الجديدة تعني أن «فايسبوك» سيجمع معلومات عن أشخاص لا يستخدمون هذا الموقع. وزادت المفاجأة عندما أجاب زوكربرغ بالإيجاب على هذا السؤال المقلق، ما يعني أن «فايسبوك» سيستخدم معلوماته ضد الجمهور الواسع من مستخدمي الإنترنت، إضافة الى مستعمليه أيضاً. يبدو أن فترة التأني في حكم الجمهور، خصوصاً في الدول الغربية، على تجربة بريد «فايسبوك» لن تدوم الى الأبد. ومع ظهور أصوات ترشّح زوكزبرغ لنيل جائزة نوبل هذه السنة، يرجَّح أن ينطلق نقاش معمّق حول ممارسات «فايسبوك» المختلفة، وضمنها بريده الإلكتروني. [email protected]