الرباط - رويترز - قادت الصدفة وحب التراث الغنائي الأندلسي القديم ثلاث فنانات من ديانات مختلفة إلى تقديم عروض فنية ينسجم فيها الغناء العربي الإسلامي، باليهودي، وبالإسباني المسيحي. ولأن الفن غاية ووسيلة، فإن الصراعات التاريخية، الخفية والمعلنة، لم تحل دون اندماج النساء الثلاث في ملحمة غنائية واحدة شعارها التنقيب في التراث الغنائي الأندلسي المشترك. تقول فانيسا بالوما، وهي فنانة باحثة في التراث الأندلسي اليهودي ومختصة في الغناء النسائي اليهودي لشمال المغرب: «بالفن نستطيع أن نحقق الوحدة في الأحاسيس والمشاعر الإنسانية النبيلة». وتضيف، على هامش حفلة فنية أقيمت أخيراً في الرباط واشتركت فيها بالغناء مع سميرة القادري من المغرب وبيغونيا أولابيد من إسبانيا: «المرأة بصفة خاصة يمكن أن تحقق الانسجام والتعاون من أجل فن جميل». وتوضح فانيسا إن الصدفة، إلى جانب التنقيب في التراث الأندلسي الموسيقي، قادت الفنانات الثلاث إلى التلاقي «حتى أننا وجدنا مقطوعة غنائية، تغنت بها الطائفة اليهودية الأندلسية بالعبرية، وتغنى بها، هي نفسها، مسلمو الأندلس ومسيحيوها». تتفق معها الفنانة المغربية، وهي أيضاً باحثة في التراث الأندلسي، سميرة القادري، في أن مقطوعة «شعبية غنائية كانت متداولة في أوروبا في القرون الوسطى وترجمت إلى الإسبانية والبرتغالية، وأن هذه المقطوعة الغنائية التي تحكي قصة ثلاث عاشقات من الجواري في العصر الأندلسي «وكانت حافزاً أكبر لي لمزيد من البحث في التراث الأندلسي العربي - المسيحي - اليهودي المشترك». وتقول إن هدفها، مع رفيقتيها فانيسا وبيغونا، تكريم المرأة من خلال المرأة، «فالموسيقى، في العصور الماضية، كانت تقليداً نسائياً وليس ذكورياً، إذ كانت النساء هن العازفات والمغنيات والراقصات». وتغنت الفنانات الثلاث، في حفلة جمعتهن بصحبة عازفات على العود والكمان والقانون إضافة إلى الدف وطبلة الدربوكة، بموشحات أندلسية قديمة مثل «يا أهل الحمى» و«بأي سبب نهجر»، إضافة إلى الموشح الأندلسي العربي الشهير «لما بدا يتثنى» الذي تغنت به الإسبانية بيغونا بلغة بلادها. وتقول بيغونا إن زوجها المختص في الآلات الموسيقية من العصر الوسيط، وحبها للتراث الموسيقي الأندلسي، كانا وراء مجيئها إلى المغرب للبحث والتعمق في هذا الفن «لإيجاد جذع مشترك لهذا التراث الذي جاء نتيجة تزاوج ضفتي المتوسط في فترة من فترات تاريخنا المشترك». وتصاحب بيغونا رفيقتيها في الغناء بالعزف على آلة «بسالتيريون»، وهي نسخة من آلة القانون العربية التي كانت سائدة في أوروبا في العصر الوسيط.