في أمسية تضامنية مع الشعب السوري بعنوان «كان يا مكان: أفلام من سورية»، نظمتها مجموعة من المثقفين والفنانين والناشطين اللبنانيين في المجتمع المدني، أقيمت في مسرح «دوار الشمس» في بيروت عروض متوالية لثلاثة أفلام سوريّة، تخللتها شهادات من سينمائيين سوريين داعمين مطالب الشارع السوري وحراكه. وعرض فيلمان للمخرجين السوريين عمر أميرالاي («طوفان في بلاد البعث»، 2003) وأسامة محمد («نجوم النهار»، 1988). إضافة إلى فيلم قصير جداً بعنوان «النهاية» أنجزته مجموعة شبابية سورية أطلقت على نفسها اسم «مجموعة أبونضّارة»، ويمرر أسماء الشهداء الذين سقطوا في التظاهرات، على صورة ثابتة، وصوت فيروز مغنياً ترتيلة حزينة. وثّق الراحل أميرالاي، في فيلمه، أحوال قرية سورية صغيرة قريبة من سدًّ انهار، وأناس يتذكرون أماكن بيوتهم التي جرفتها المياه. واقترب بكاميرته وأسئلته من الحياة في القرية باعتبارها، بمدرستها وشوارعها و»مضافات» شيخ عشيرتها، نموذجاً مصغراً لمفاهيم إدارة بلاده. في حين يحكي الفيلم الروائي لمحمد قصص عائلة في قرية سورية، تتنازعها الصعوبات الاقتصادية ومستجدات الحداثة فتتفاعل شخصياتها (المثقف، والفتاة التي تسعى إلى الزواج بمن تحب، وشقيقها الذي يريد التحكم بحيوات أخوته، والشقيق الثاني الذي أطرشته ضربة وجّهها له أبوه على أذنه في طفولته) مع بعضها بعضاً ومع تحدياتها لتطفو بآلامها وأفراحها على سطح الحياة. أما الشهادات فبدأتها السينمائية هالة عبد الله التي عرفت الراحل أميرالاي من قرب، عبر الفيديو قائلة: «ماذا يمكن أن أقول عن عمر أميرالاي في غيابه وعن سينماه اليوم؟.. لو كان حياً لقال لكم إن الجرأة على الديكتاتور في (فيلم) تجاوزها الواقع هذه المرة... صرخ الشارع ودفع الناس الثمن غالياً... الذي انتصر عليه أميرالاي في السينما، انتصر عليه الناس في الواقع». وتتابع عبد الله متسائلة: «هل كان من الأفضل أن تتفرجوا على ما يحصل عبر السينما كي تتفاعلوا وتُحرّضوا؟ لماذا تفضلون السينما التي تحكي عن الواقع، وليس الواقع وحقيقته التي تعرضها الشوارع والبلدات؟ اليوم، ما هو الأصدق والأكثر حرارة؟» أما شهادة أسامة محمد، فقد أرسلت مكتوبة، وقرأها الكاتب اللبناني أحمد بيضون. ومما جاء فيها: «السينما في ظل الديكتاتوريات، عنوان الندوة التي شاركت بها في مهرجان «كان» الأخير مع كوستا غافراس والسينمائي الإيراني رضا سركانيان... وقد حاول كلانا، أخي الإيراني وأنا، الالتصاق بكوستا مدركاً أن الصورة الفوتوغرافية التي ستنجم عن الندوة هي الدرع الواقية، وأن كوستا هو القبة الفولاذية. على الدرج، فعل زميلي كل شيء من أجل شعبه، وصولاً إلى زرع كتفيه بيني وبين حبيبي غافراس. بدا كأنه يرجوني، يطلب يد غافراس مني. كأنه يقول أن وضعه أصعب، وأن الباسيج أظلم وأن «بناهي» محكوم. وكنت أبتسم له وأنفخ في وجهه عدد الشهداء السوريين...». وتابع بيضون بلسان محمد: «حين جلس المخرج الإيراني بيني وبين غافراس في الصورة، فاجأتهما وخرجت منها، نهضت وتحركت على الخشبة وتوقفت وتكلمت وتقدمت حتى الحافة، وعلى حافة الحافة، صرت ممثلاً للشعب السوري». واقتطع محمد، في شهادته المكتوبة، جزءاً من بيان للأسير السوري في المعتقلات الإسرائيلية، وئام عماشة، الذي أعلن إضرابه عن الطعام من داخل زنزانته احتجاجاً على «سفك دماء السوريين ودعماً لمطالب الحرية والكرامة الوطنية». ثم أعقب محمد بيان عماشة بردّه الطويل عليه، مخاطباً إياه: «أنت تمنح حياتنا حياة، وإنسانيتنا إنسانية، نحن أبهى وأجمل بك... أنت الذي طوّع الزمن والمسافة والمعنى، سوريتنا أنت، تخرج إلى ضوئها بضوئك، غداً في مثل هذا الوقت، سأضمك وأمسح دمعتي بعباءتك أيها البطل. إنني أبكي... أهرب من المعرفة وتُمسِك بي، فأتمسك بقوتك وبنبضات قلبك أخي وئام». وفي الكلمة المكتوبة التي أرسلتها «مجموعة أبونضّارة»، وأيضاً خصيصاً للمناسبة، تساءل الشباب، الذين يعدّون شريط فيديو قصيراً كل أسبوع وينشرونه على الإنترنت كل جمعة تزامناً مع موعد التظاهرات: «كيف لنا أن نمارس السينما وسط الخرائب والدماء؟ السؤال مهم، وطُرح بصيغ مختلفة في روسيا غداة الثورة البلشفية، وفي فرنسا بُعيد الثورة الطالبية، وفي سورية قبل الطوفان. لكن لا مجال للأسئلة الآن. فقد كُتب علينا أن نمارس السينما بالإمكانات المتوافرة الآن وهنا، مثلما يمارس الطبيب المعتقل في تدمر أو صيدنايا عمله مبتكراً وسائله الخاصة لمعالجة رفاق الزنزانة المحرومين من الأدوية».