شكل رحيل المخرج السوري عمر أميرالاي يوم أمس، بسبب جلطة قلبية، مفاجأة حزينة للوسط السينمائي، إذ لم يعرف عنه أنه شكا من مرض، بل كان يستعد لإنجاز فيلم جديد يتناول تجربة الممثلة السورية إغراء. ولد أميرالاي في دمشق عام 1944 «على مرمى حجر من مقام شيخنا الأكبر محيي الدين بن عربي، معطّراً بروحانيته»، كما يقول أميرالاي نفسه في حوار معه. ويضيف انه عاش «في بيت عربي متواضع كان أضخم ما فيه نوافذه العريضة المطلة على الشارع العام الصاخب بالحركة والناس، من خلال تلك النوافذ. تربيتُ على الفضول وعلى حب الملاحظة وعلى تشريح الناس والأشياء، ورصد تفاصيل الحياة اليومية للحارة والجيران». هذه الطفولة «المسترخية» وفرت له فضيلة الانشغال بالآخرين ومراقبتهم والتفرغ لقصصهم وحكاياتهم، الأمر الذي جعله يصف القول المأثور «من راقب الناس مات هماً» ب «السخف». فقد راقب أميرالاي الحياة بكل رحابتها، بل وجه عدسته إلى أكثر الزوايا الإنسانية قسوة وألماً، واستطاع أن يحقق فيلموغرافيا لا يمكن تجاهلها في أي حديث يتناول المشهد السينمائي العربي. درس أميرالاي المسرح في جامعة مسرح الأممالمتحدة في باريس عامي 1966-1967 ثم التحق بالمعهد العالي للدراسات السينمائية في باريس، لكنّه انقطع عن الدراسة بسبب أحداث الطلبة عام 1968 ليعود إلى بلاده ويخوض معركته السينمائية خلف العدسة. وعرف الراحل بأسلوبه السينمائي الخاص؛ المختلف عن أسلوب أقرانه ومجايليه من المخرجين السوريين الذين درسوا في الاتحاد السوفياتي السابق، إذ تظهر في أفلامه نزعة الانتقاد السياسي الحاد، فضلاً عن نشاطه ضمن الحراك السياسي العام. أنجز أميرالاي العديد من الأفلام بينها ثلاثيته الوثائقية حول سد الفرات بالتعاون مع الكاتب المسرحي سعدالله ونوس، ففي الفيلم الأول «محاولة عن سد الفرات» عام 1970 وجه تحية لهذا المشروع التنموي الكبير، ثم أنجز الجزءين اللاحقين «الحياة اليومية في قرية سورية» عام 1974. ومن أفلامه الأخرى فيلم «هنالك أشياء كثيرة يمكن أن يتحدث عنها المرء»، الذي اعتمد فيه على حوارات مع المسرحي الراحل ونوس حينما كان يصارع المرض، وكذلك فيلم «الرجل ذو النعل الذهبي» عن رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فضلاً عن أفلام مثل «الدجاج»، «مصائب قوم»، «رائحة الجنة»، «العدو الحميم»، «شرقي عدن»، المدرّس»، «طبق السردين» وغيرها. والملاحظ في مسيرة أميرالاي إخلاصه الشديد للسينما التسجيلية الوثائقية التي تمثل، كما هو معروف، عتبة للمخرج السينمائي للوصول إلى «جنة السينما الروائية» ونجوميتها وامتيازاتها، غير أن أميرالاي بقي حريصاً على هذا النوع السينمائي، ومؤمناً بدوره، على رغم الشهرة الواسعة التي حظي بها الراحل، والاحتفاء الذي ناله في أكثر من مهرجان سينمائي.