تماماً كما قام الإنكليزي فيلياس فوغ وخادمه جان باسبارتو برحلة حول العالم في 80 يوماً، قام المصريون أيمن عبد الرسول ومحمود صلاح وإيهاب أدونيا برحلة مشابهة، لكنها هذه المرة حول الصعيد وفي سبعة أيام فقط. رحلة المغامرين الثلاثة لم تكن بغرض الاستكشاف بقدر ما كانت تهدف إلى إعادة تأكيد المؤكد بعد تعرضه لهزات عنيفة في الأسابيع القليلة الماضية. الشباب الثلاثة مسلمان ومسيحي، وهدف تحديد ديانتهم هو هدف الرحلة نفسها التي انطلقت بهم من بني سويف مروراً بالمنياوأسيوط وبعدها قناوأسوان وأخيراً النوبة. يقول إيهاب أدونيا المسيحي إن الرحلة تتلخص في كلمتين: «ابدأ بنفسك»! فقد آمن الأصدقاء الثلاثة بأن على كل شخص أن يبدأ بفكرة التسامح والمحبة من نفسه كي يجدها لدى الآخرين. أولى المحطات كانت بني سويف حيث توجه الثلاثة إلى دير السيدة العذراء. يقول أيمن عبد الرسول: «لم نواجه معارضة لدخول الدير، لكنْ كان هناك وجود أمني مكثف إضافة إلى نقطة أمنية داخل الكنيسة. دخلنا الدير بناء على اقتراح إيهاب، وتحدثنا مع عدد من المصلين عن التسامح المفقود هذه الأيام». ويضيف أن بعضهم أرجعه إلى غياب الأمن، وبعضهم الآخر قال إن الأزمات الاقتصادية المتكررة هي السبب، وقال آخرون إن الأزمات المتلاحقة الخاصة برغيف الخبز تجعل الإنسان أقل تسامحاً لأنه يكون مضغوطاً من كل الجوانب. وفي المدينة نفسها، توجه الثلاثة إلى مسجد في ميدان الساحة حيث صلى عبد الرسول وصديقه محمود صلاح الظهر، بينما انشغل أدونيا بالتصوير. وفي الميدان وجد الشباب عدداً من اللافتات التي علقها الأهالي لتأكيد مبدأ الوحدة الوطنية. ومن بني سويف إلى المنيا حيث تحدث الفرسان الثلاثة مع عدد من الشباب على كورنيش النيل، فأبدى هؤلاء اهتماماً كبيراً بفكرة الحملة وأهميتها في الوقت الحالي الذي يمثل مفترق طرق لمصر ومن فيها. ويقول محمود صلاح: «ذهبنا الى كاتدرائية المنيا للأقباط الكاثوليك حيث استقبلنا راعي الكنيسة الأب ملاك بحفاوة كبيرة وتحدث معنا من دون حرج مشيراً الى وجود ثغرات عميقة في ثقافة التسامح، ومؤكداً أهمية الاعتراف بالمشكلة من أجل الوصول إلى الحل». لكن الأب نقل للمجموعة شعوراً متفائلاً بأن الأمل يكمن في الشباب، لا سيما في المبادرات الفردية غير المسيَّسة ولا المؤدلجة. وفي أسيوط، صلى عبد لرسول وصلاح العصر في مسجد الناصر، وتحدث الثلاثة مع شيخ منتدب من الأوقاف حول التسامح الديني، ويقول عبد الرسول: «استنكر الشيخ سؤالنا عن الجرائم التي تُنسب إلى السلفيين، وراح يقول كلاماً يعكس نظرة المدينة ذات الإيقاع البطيء، وأهلها الذين يتبنون على ما يبدو وجهة نظر رمادية في شأن مسألة التسامح». ويتابع عبد الرسول: «ثم التقينا الأب يوساب مهنى راعي كنيسة الأقباط الكاثوليك في أسيوط، وعرض هو أيضاً وجهة نظر مشابهة تقريباً». ومن تسامح أسيوط الرمادي إلى تسامح قنا المتوتر، إذ يقول أدونيا: «المواطنون هناك يعيشون حالة من التوتر العصبي الشديد لدرجة أن مجرد تقبل الكلام من الآخر أمر غير وارد. لكن حين توجهنا إلى مسجد سيدي عبدالرحيم القناوي لاحظنا أن الناس طيبون وبسطاء للغاية، لكن الواضح أن هناك مساحات كبيرة من عدم التفاهم لا تزال موجودة. ولكن على رغم ذلك، فإن استقبالنا في رحاب المسجد كان رائعاً». ويشير أدونيا إلى لقاء ممتع مع الشيخ عمر، وتوصيته لهم بالذهاب إلى مطرانية الأرثوذكس في قنا، وهو ما فعلوه، إلا أن حارس الكنيسة منعهم من الدخول وفي شكل حاد. يقول أدونيا: «خرجنا من الكنيسة مطرودين. ويمكن باختصار أن نعتبر قنا مدينة تعيش في حالة استنفار دائم وهي على حافة الالتهاب». ولحسن الحظ أن الأمور كانت أفضل نسبياً في أسوان، حيث التقت المجموعة راعي كنيسة للأقباط الكاثوليك، أكد لهم أهمية تحرك الشباب بفاعلية لتأكيد روح التسامح. كما شدد على خلو أسوان من أي مظاهر للتعصب أو التوتر الديني الذي قد يخلف عنفاً طائفياً. ويشير صلاح إلى انه استوقف عدداً من شباب الأزهر في أسوان، عبروا عن فرحتهم بالفكرة، واندفعوا متحدثين بحماسة عن أن مبادئ الإسلام لم تحض يوماً على العنف أو التشدد في مواجهة مختلفي الديانة، بل على العكس فإن حماية الآخرين واحترام المختلفين تمسك بروح الإسلام التي لا تجبر أحداً على اتباع دين لا يريده». وفي النوبة، التقت المجموعة الحاج برسي أحد مشايخ الطرق الصوفية الكثيرة المنتشرة في تلك المنطقة واصطحبهم إلى المسجد القريب لأداء صلاة الجمعة. وبعدها التقوا خطيب المسجد الذي شكرهم مرتين، الأولى لأنهم قطعوا كل تلك المسافة من القاهرة الى أبعد مدن الوجه القبلي وأشدها حرارة، وثانياً لأنهم لم يكتفوا بالكلام والانتقاد، بل بذلوا مجهوداً خارقاً لترجمة حماستهم الى أفعال. وأرجع الحاج برسي أجواء التوتر الحالي إلى «أننا لم نأخذ من الدين سوى مظهره وفرّغناه من مضمونه، وأن الدين، أي دين، لا يمكن أن يدعو بأى حال من الأحوال إلى ممارسة العنف». الأيام السبعة أثبتت للشباب أن على رغم التوتر والاحتقان، تبقى التربة الخصبة لزرع بذور التسامح موجودة كما أن تأصيل فكرة الوحدة بين أطياف المجتمع تحت مظلة المواطنة ونبذ العنصرية للمختلف عقائدياً وتقبل الآخر أمور ليست مستحيلة لأن جذورها موجودة، لكنها تحتاج إلى جهد كبير لا سيما من الشباب. «خليك متسامح» شعار عاد به الشباب الثلاثة الى القاهرة وهم يدركون أنه يحتاج إلى أضعاف تلك المبادرات لتنفيس مشاعر التوتر واستبدالها بقبول الآخر.