الشيخ عبدالله المنيع ليس كاتب رأي مثلنا في صحيفة سعودية، وليس فقيهاً منعزلاً في بيته أو مرشداً لطائفة اشتهرت بغرابتها، بل هو عضو في هيئة كبار العلماء، وهي هيئة دينية إسلامية حكومية مخولة بإصدار الفتاوى وإبداء آرائها في أمور عدة. وهي أيضاً هيئة استشارية يعود إليها الملك لتساعده في صياغة الرؤية حول متغيرات الحياة، ولهذا فإن رأي الشيخ عبدالله المنيع القائل بأن «الموسوسون» هم «دعاة تكبيل المرأة وحبسها في بيتها وأن يقال لها: حرام عليك أن تسوقي سيارتك، وحرام عليك أن تركبي مع سائق سيارتكم، وحرام عليك أن يكون نوع حجابك كذا وكذا إلى آخر القيود الوسواسية». هذ الرأي لا يمكن التعامل معه على أساس أنه رأي شخصي، بل هو قاعدة فقهية تفتح باب رحمة أغلقها باب سد الذرائع الذي ضيق على النساء في قضايا حياتية كثيرة، ورأي يقطع الطريق على فئة مغالية تريد أن تُبقي النساء تحت سيطرة الضيق والتشدد ليأمنوا جانبهن. ما قاله الشيخ عبدالله المنيع يعكس صفواً في الخلق وسعة في التفكير، قلما نجدهما في الفتاوى. فالتشدد وتضييق مساحة الخلاف من وجهة نظر الموسوسين هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على المجتمع وحمايته من دفع ثمن التغيير الذي هو سنة الحياة، وحمايته من مخاطر التفكير الذي هو منهج العقل والمعاش. لو قرأتم مئات الردود التي طاولت رأي الشيخ عبدالله المنيع عن جواز قيادة المرأة السيارة وأن ركوب المرأة مع السائق ليس بخلوة، في موقع «العربية نت» لعرفتم أننا أمام ذهنية ساهمت آراء متحجرة في صياغتها، هذه الذهنية وقفت أمام مظاهر تغيير كثيرة بحجة خوفها على الإسلام ومزاعم مخالفة الشريعة، وعندما ظهرت فتوى شيخ من ثقات الشيوخ وعضو هيئة كبار العلماء كالشيخ عبدالله المنيع، صُدموا، وانتفضوا، بل طالبوه بالعودة عنها كما ذكر الشيخ في مقاله بقولهم: «لعلك ترجع يا عبدالله» كما فعلوا مع غيره، وبعضهم دعا له بالهداية، لأنه في نظرهم ضل الطريق. ماذا يريد هؤلاء بالضبط؟ مرة يريدون الإسلام، ومرة لا يريدون من الإسلام إلا ما عرفوه وألفوه ولو كان من الظلم والجهل. تماماً مثلما فعل ضابط الشرطة الذي قبض على منال الشريف وهي تقود سيارتها، فحين سألته هل هناك نظام يمنع قيادتي للسيارة؟ رد عليها: لا، لكنك خالفت العرف، بل جعلها توقع تعهداً بعدم مخالفة العرف! بناءً على ما حدث يجب أن يقبض على ثلاثة أرباع المواطنين الذين يخالفون أعرافاً ويؤسسون أعرافاً جديدة تقتضيها الحياة والتأثر بقوانين السوق والثقافات المجاورة. معارضة قيادة المرأة السيارة أضحت قضية بلا قلب وبلا عقل، فالجدل الذي كان يجب أن تحسمه فتوى مثل فتوى الشيخ المنيع منذ زمن، يرفض العقل، ويرفض أن يتحلى بقلب رحيم يسهّل معاناة النساء، فيوفر لهن مواصلات عامة مريحة وآمنة تكفي حاجات النساء والأهالي. الحل الوحيد هو أن يستأجر معظم النساء سائقاً يصل راتبه إلى ألفي ريال وبعضهن لا يزيد راتبها على 3 آلاف ريال، أو تتشارك في سائق واحد مع نساء البيت والجارات والعمات والخالات. طوال هذا التاريخ اكتفوا بسد الطريق الوحيد المتاح وهو قيادة المرأة السيارة بنفسها. لم ينظر لقضية قيادة المرأة كقضية معاش يومي، بل كقضية سياسية، وبيزنطية شابهت جدلية «الدجاجة والبيضة». أوهموا الناس بأن المطالبة بقيادة السيارة هي مطلب اللييبرالين والمتآمرين على المجتمع والمشتغلين بأجندة غربية لتغريب المجتمع، وأول ما تقول الأم لابنها أو الأخت لأختها «قم ودّني»، حتى ينسى الموسوس كل ذلك ويقول «خل السواق يودّيك»، وإذا انعدم السواق قال لها: «قِرْنَ في بيوتكن»، ثم يسألها: «معك سلف 50 ريالاً». [email protected]