تمتلك محافظة القنفذة التابعة لمنطقة مكةالمكرمة إرثاً تاريخياً كبيراً تكوّن على مدى عصور قديمة مضت، أهّلها لأن تكون مدينة سياحية فريدة من نوعها يقصدها الزوار من داخل المحافظة وخارجها للاستمتاع بما تحتضنه من آثار نادرة، تحكي قصص أمم وشعوب سكنت أرض المنطقة في قديم الزمان، فضلاً عن امتلاكها لعناصر جذب سياحي حضارية حولتها إلى منارة سياحية وأثرية يشار إليها بالبنان. وتتمتع محافظة القنفذة بالعديد من المقومات القادرة على اجتذاب المزيد من الاستثمارات العملاقة لها، ويتبع المحافظة العديد من المراكز منها مركز المظيلف الذي يبعد مسافة 25 كيلومتراً عنها، ويقع فيه قرية تراثية تسمى «عشم» التي تسرد العديد من الكتب والمطبوعات وبعض المقالات والقصص لشخصيات عاصرت الزمن القديم فيها بحسب شيخ شمل قبائل زبيد قرماء ومركز المظيلف الشيخ محمد بن علي بن مرزوق. وتتوسد قرية عشم الأثرية ضفاف وادي قرماء منذ مئات السنين، فقد أدرك بن مرزوق حكيم ذلك الزمان أهمية تلك القرية ودافع عنها وأسهم كثيراً في الحفاظ على كثير من نقوشها حتى هيأ لتلك القرية أحد أبناء محافظة القنفذة وهو المؤرخ حسن بن إبراهيم الفقيه الذي انكب على سر أعماق تلك القرية وكشف عن العديد من أسرارها في كتابة الفريد «مخلاف عشم». وبدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تنفيذ مشروع التنقيب الأثري في موقع عشم الأثري بمركز المظيلف بمحافظة القنفذة التابعة لمنطقة مكةالمكرمة، وهي مرحلة استئناف للتنقيب الذي كانت بدايته عام 1402ه، والمسوحات الأثرية الأخرى عام 1407ه، ويتركز المشروع الحالي على أعمال التنقيب في المنطقة المسورة للموقع الأثري والتحقق من كثافة المعثورات الأثرية، والكشف عن الأدوات والوسائل المصاحبة لأعمال التعدين. حيث ركزت أعمال التنقيب في السوق التجارية الموجودة بالموقع. وحوت قرية عشم بين جنباتها الحضارة الإنسانية لعصور الإسلام الأولى، وتعد امتداداً لحضارة كانت موجودة وأحداث كانت تدور في منطقة مكة وتخصها عن غيرها، فقد كانت محطة لعبور القوافل من وإلى مكة فعشم، وارتبط اسمها في كتب التاريخ بمكة في إشارة لارتباطها الوثيق بها ، وهي اليوم تعد معلماً تاريخياً وأثرياً في بلادنا الحبيبة. وأكد عضو مجلس الشورى المستشار بهيئة السياحة والتراث الوطني الدكتور أحمد الزيلعي، أن أهمية قرية «عشم» تتمثل في كونها من المواقع الأثرية التي لها قصب السبق على كثير من المواقع الإسلامية المعاصرة، من حيث عدد نقوشها الخطية التي تقدر بالمئات، وتنوع خطوطها وزخرفتها، وغيرها من المواقع التي كانت تشكل أهم المدن في ذلك المخلاف المكي التهامي الذي كانت مدينة عشم عاصمة له. وبين أن «عشم» قرية تهامية إسلامية عرفت منذ ما قبل الإسلام واندثرت في القرن الخامس الهجري، وتقع على بعد 300 كلم إلى الجنوب من مكةالمكرمة، وتمثل نقطة انتقال بين السهل التهامي من الغرب والمرتفعات الجبلية من الشرق، ولعبت حين ازدهارها دوراً تجارياً مهماً بوصفها محطة من المحطات الواقعة على طريق الحج والتجارة القديم بين اليمن والحجاز ومنجم ذهب. وعلى رغم هذه الأهمية فإن عشم تعد من المواقع الإسلامية الأقل ذكراً في المصادر العربية، وما كُتب عنها إلا معلومات متفرقة في بعض كتابات الجغرافيين المسلمين، وتفتقر إلى كثير من التفاصيل في المعلومات التي يحتاجها الباحث لمعرفة تاريخها، وأول من أشار إليها من هؤلاء الجغرافيين اليعقوبي المتوفى سنة 284ه، كما ذكرها ابن خرداذبة، والهمداني بأنها معدن ذهب، وذكرها كذلك المقدسي، والبكري، ةالشريف الإدريسي وغيرهم، ومن أقوالهم يتضح أنها لم تكن مدينة أو بلدة عامرة فحسب بل كانت عاصمة لمخلاف من مخاليف مكة الجنوبية سمي باسمها مخلاف عشم وهو مطابق للواقع تماماً. وأشار الزيلعي إلى السعودية يوجد فيها حالياً 32 حفرية تنقيب منتشرة في أنحائها، وبدأ التنقيب في عشم قبل شهر تقريباً وسيستأنف خلال شهرين.