إنّه القاتل الصامت. لم ينل مرض ارتفاع ضغط الدم Hypertension هذا اللقب جزافاً. ولعل أسوأ صفاته التي لا يعرفها الكثيرون، أن مستوى ضغط الدم قد يرتفع ببطء، ومن دون أعراض، إلى أن يصل إلى مرحلة خطرة، تهدّد بالقضاء على الحياة، أو الإصابة بالسكتة الدماغية التي تترافق مع شلل نصفي. في كثير من الأحيان تكون الذبحة الصدرية أو النوبة القلبية أو الغيبوبة، أول ما يظهر من أعراض مرض ضغط الدم. وتزداد هذه الاحتمالات المخيفة مع تجاوز سن الشباب والدخول في مرحلة منتصف العمر. واستطراداً، لوحظ أن هذا المرض بات يطاول فئات شابة، بحيث أصبح الأطباء يميلون الى التركيز عليه منذ سن العشرين. الوقاية بالدراسة على رغم شهرة «القاتل الصامت»، إلا أن وسائل الإعلام العربي لا تُركّز كفاية على «صمت» مرض ضغط الدم. ويساهم ذلك في رواج فكرة غير دقيقة مفادها أن ارتفاع مستوى ضغط الدم يكشف نفسه عبر أعراض مثل الدوخة والصداع والنزيف من الأنف وغيرها. صحيح أن هذه الأعراض قد تأتي من ارتفاع ضغط الدم، لكن يصح القول أيضاً أن غياب الأعراض أمر مألوف في هذا المرض. ما هو الحلّ في مواجهة صمت هذا القاتل؟ هناك أشياء كثيرة، أولها زيادة الوعي بهذه المسألة، وتحفيز الجمهور على قياس ضغط الدم بصورة منتظمة، خصوصاً بعد سني اليفاعة والشباب. وتمثّل الدراسات الأكاديمية الواسعة أداة علمية أخرى في مواجهة هذا المرض، إذ تُمكّن من رسم صورة عن المرض في مجتمع محدد. وفي هذا السياق، أطلقت شركة «أسترازنكا» Astra Zeneca العالمية للأدوية دراسة جديدة حول مرض ارتفاع ضغط الدم، موضحة أنه أصبح مشكلة صحية سريعة النمو في الشرق الأوسط، على غرار وضعه عالمياً، إذ تشير التقديرات إلى معاناة ما يزيد على 25 في المئة من الناس من ارتفاع ضغط الدم، مع توقع أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 40 في المئة بحلول عام 2025. وتستمر هذه الدراسة التي تحمل اسم «كومبلاينس» Compliance، لسنة يقوم بها 160 مركزاً في الأردن ولبنان، وتشمل حوالى 1500 شخص تفوق أعمارهم 21 سنة. وأوضح الطبيبان عماد الحداد وأيمن حمودة، وهما من المشرفين على الدراسة، أنه لا توجد معلومات كافية عن الممارسات المتصلة بعلاج ارتفاع ضغط الدم في الأردن، ومدى استجابة المرضى للعلاج، وأوضحا أن «كومبلاينس» تهدف الى الحصول على معلومات دقيقة عن مدى التزام مرضى الضغط بتناول أدويتهم، إضافة الى التعرف الى نمط حياتهم. كما شدّدا أيضاً على ضرورة التركيز على الأنماط الصحية في العيش، مثل عدم التدخين، وزيادة النشاط الرياضي، والمحافظة على الوزن والابتعاد عن السمنة، والتخفيف من ملح الطعام وغيرها. وفي السياق نفسه، أكدت رولى قاسم المدير الإقليمي ل «أسترازنكا» أن الشركة تتطلع الى إجراء مزيد من الدراسات حول أمراض الجهاز التنفسي والأورام، بالتعاون مع مؤسسات صحية متخصّصة. ولفتت قاسم إلى أن ارتفاع ضغط الدم يعتبر من الأمراض الواسعة الانتشار في الأردن ولبنان، ما يفسّر ضرورة إجراء دراسة من نوع «كومبلاينس» لأنها تهدف الى جمع معلومات علمية حول كيفية تعامل المرضي مع الأدوية المضادة لارتفاع ضغط الدم، ورصد الآثار الجانبية المحتملة لهذه الأدوية أيضاً. ولفتت الى أن نتائج الدراسة تلامس جوانب كثيرة في حياة مرضى ضغط الدم، عبر زيادة الوعي بهذا المرض وتقديم معلومات عن أوجه القصور في المقاربات العلاجية له، في الأردن ولبنان. وذكّرت قاسم بدراسة مسحية أجرتها وزارة الصحة الأردنية بالتعاون مع «المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها» في عام 2004، وبيّنت أن معدل الأردنيين البالغين الذين يعانون ارتفاع ضغط الدم وصل الى 21.5 في المئة منهم. وأوضحت أيضاً أن استطلاعات أخرى وثقّت معاناة 26.4 من الأردنيين من ارتفاع ضغط الدم، مع ملاحظة أن 14.9 منها لم يجر تشخيص وجود المرض لديها. كما أشارت هذه الاستطلاعات إلى أن نصف المصابين بارتفاع ضغط الدم يتوقفون عن تناول العلاج خلال فترة لا تزيد على 12 شهراً. المعروف أن مرض ارتفاع ضغط الدم يشكل تحديا كبيراً ل «منظمة الصحة العالمية»، بسبب انتشاره المتسارع، إضافة الى كونه سبباً رئيساً لأمراض القلب والشرايين والكلى التي يمكن أن تؤدي الى الوفاة. وعلى رغم توافر أدوية لعلاج هذا المرض، إلا أن معدلات الإصابة به تواصل الارتفاع بصورة مطردة. ويُقدّر أن «القاتل الصامت» يساهم في 12.8 في المئة من الوفيات عالمياً.