بدا واضحاً أمس، أن إسرائيل لن تتراجع قيد أنملة عن موقفها المتعنت تجاة قضية القدس، مستغلة إعلان الرئيس الأميركي المدينة «عاصمة لها» الشهر الماضي، إذ فرض الكنيست عقبة أخرى جديّة في طريق أي مفاوضات لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بإقراره بجميع أعضاء ائتلافه الحكومي (64) ومعارضة 51، تعديلاً في «قانون أساس: القدس»، يقضي بأنه لا يجوز لأي حكومة تسليم أراضٍ من القدس الموحدة (المحتلة بشطرها الشرقي) إلى أي كيان سياسي آخر أو سيادة أجنبية، في إطار أي تسوية للصراع في المستقبل، إلا بتأييد ثلثي أعضاء الكنيست على الأقل (80 عضواً)، وهو عدد صعب المنال حتى في قضايا أقل شأناً. وأبقى الكنيست على إمكان إلغاء هذا التعديل في المستقبل بغالبية 61 عضواً. وأثارت الخطوة الإسرائيلية، التي جاءت غداة تصويت حزب الليكود على مشروع يدعو إلى بسط «السيادة الإسرائيلية» على المستوطنات في الضفة الغربية، تنديداً فلسطينياً وعربياً، فيما كشفت مصادر مصرية ل «الحياة» عن اتجاه عربي لمراجعة الموقف من عملية السلام برمتها. واحتفل قادة اليمين بإقرار القانون واعتبروه «رداً مناسباً» على تصويت الأممالمتحدة قبل أسبوعين ضد قرار ترامب في شأن القدس. وقال زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» الوزير نفتالي بينيت الذي قدم أحد أعضاء حزبه مشروع القانون، إنه «يضع حداً لأي محاولات مراوغة في المستقبل». وأضاف وزير شؤون القدس زئيف ألكين إن القانون الجديد «يعزز السور الواقي في وجه اليساريين الذين قد يحاولون المس بمستقبل السيادة الإسرائيلية في القدس الموحدة». وزاد: «اليوم ضمنّا وحدة القدس إلى الأبد... جبل الزيتون والبلدة القديمة ستبقى معنا إلى الأبد... لن تحصل بعد ألاعيب سياسية تتيح تمزيق عاصمتنا». إعلان حرب واعتبر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن إعلان ترامب، وتصويت الكنيست على قانون القدس الموحدة «إعلان حرب على الشعب الفلسطيني وهويته السياسية والدينية». وقال إن «إسرائيل أعلنت رسمياً نهاية العملية السياسية، وبدأت فرض سياسة الإملاءات والأمر الواقع»، مشدداً على أن «لا شرعية لقرار ترامب ولكل قرارات الكنيست، ولن نسمح بتمرير مثل هذه المشاريع». ودعا إلى «تحرك عربي وإسلامي ودولي، لمواجهة العربدة الإسرائيلية التي تدفع بالمنطقة إلى الهاوية»، مؤكداً أن اجتماع المجلس المركزي (البرلمان المصغر للشعب الفلسطيني)، منتصف الشهر «سيدرس الإجراءات المطلوبة كافة لمواجهة التحديات التي تستهدف الهوية الوطنية والدينية للشعب الفلسطيني». ويستبق اجتماع المركزي الفلسطيني، اجتماعاً لوزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والإمارات والمغرب وفلسطين إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية، تستضيفه عمّان السبت المقبل للبحث في التعاطي مع قضية القدس. وكشفت مصادر ديبلوماسية مصرية ل «الحياة» عن «تحرك عربي للردّ على القرارات الإسرائيلية الأخيرة». وأشارت إلى أن الأمر سيطرح على اجتماع الوزراء الستة، الذين سيقومون بدراسة الموقف العربي من عملية السلام بصفة عامة. واعتبرت المصادر أن القرارين الأخيرين «يشكلان عقبة جديدة أمام عملية السلام، وضربة قاصمة لحل الدولتين». وأكدت أن «التصعيد الإسرائيلي يستثمر قرار الرئيس الأميركي في شأن القدس من ناحية، ويمضي قدماً في التصعيد ضد الفلسطينيين وآمالهم المشروعة في إعلان الدولة وعاصمتها القدس». وأعربت عن «أسفها لقرار الكنيست الذي يعاقب الفلسطينيين على استجابتهم لعملية السلام وموافقتهم المتكررة على مبادرات السلام خصوصاً حل الدولتين». إلى ذلك، حذر رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات من «مرحلة فرض الحلول»، موضحاً أن «الحلّ الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه، يتمثل في ضم أكثر من نصف الضفة بما فيها القدس والأغوار، وإبقاء سيطرتها على المعابر والأمن، ومنح الفلسطينيين كياناً في جزء من الضفة وعاصمة في ضواحي القدس». وأشار إلى أن «ترامب وفريقه عقدوا 36 لقاء مع الجانب الفلسطيني، للبحث في استئناف عملية السلام، لكنهم في النهاية ذهبوا إلى خطوات أخلّوا فيها بكل القواعد التي قامت عليها العلاقة بين الجانبين طيلة العقدين الماضيين». وأكد أن الجانب الفلسطيني «سيتوجه مجدداً إلى مجلس الأمن للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأممالمتحدة، كما سيتوجه إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لمواجهة هذه الخطط». انتفاضة القدس ودعت حركة «حماس» إلى تصعيد «انتفاضة القدس»، ورأى الناطق باسمها فوزي برهوم في قرار الكنيست «استمراراً لمسلسل الاعتداءات على المدينة المقدسة واستهدافاً للوجود الفلسطيني، وتزويراً للتاريخ وتزييفاً للواقع»، مشيراً إلى أن «التطورات الخطيرة تحتم على الرئيس عباس إعلان انتهاء أوسلو والتنسيق الأمني وسحب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي». ودعا إلى «تصعيد انتفاضة القدس في مواجهة السياسات الأميركية- الإسرائيلية العنصرية المتطرفة». إلى ذلك، تعقد مؤسسة الأزهر مؤتمراً لنصرة القدس في 17 الشهر الجاري، وأكد إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب ضرورة حشد وتسخير كل الإمكانات المتاحة لإنجاح المؤتمر، والتوصل إلى نتائج عملية تعكس خطورة التحديات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية ومدينة القدسالمحتلة.