أعرفها جيداً فالقاتلة التي قتلت فيتوريو هي نفسها التي قتلت محمود درويش بعد انحسار حروف الضاد العربية عن شرفها في حزيران الانقلاب. وننتظرها أيضاً كما فعل محمود درويش وفيتوريو لتقتلنا بشهوتها المفرطة جنوناً، لأننا عليها نغار ولا نعشق جميلة سواها. غرباء عنك يا غزة، وأنت أغرب منا على قلوبنا... تقتلينا وتدعين الحب فينا... ولا تبحثين عن أسباب وفاتنا فهي ماء وجهك الذي عليه تخافين. ما الحقيقة ولماذا لم يرَ فيتوريو الموت المحلق فوق أوشامه البراقة؟ ما الحقيقة؟ ربما أن فيتوريو حاول أن يُخرج غزة عن صمتها لتصرخ فينا وتعلن غضبها على كفرة الإنقسام، ولكنها خافت فأرسلت مجرميها لتقتلك فيتوريو. ربما... ربما أرادها امرأة بكامل لباسها الوطني المرصع بلا حزبية، فانقض العُميان الحزبيون عليه. ربما أرادها أن تتجمل له مرة واحدة فقط بكوفيتها السمراء فجن جنون الغربان (...) عليه فأرسلوا ذئابهم وأسقطوا الجريمة على الغرباء. رأيت جنازتك وكنت مطأطأة الرأس. لم أهتف مثلما هتفوا، فقد كنت غريبة عن الجميع، موجوعة بالحياة التي أريدها في غزة رغم مرارتها، وأنت ترى الموت في مُشيعيك، ترى خاطفيك معهم يشيعونك فرحاً، وشعرت بلحظة جنون أبكتني كأنك تحاول أن تفتح نعشك لتهمس لي بالحقيقة، لتطالبنا بأن نكون وطنيين لا حزبيين، تطالبنا بالقضاء على غول الانقسام، وأن نُعطي الراية لأطفال المعسكر بالمغازي... قبل أن نستبدل الأمكنة ذات يوم. لكنك لم تبك، حتى وهي تقتلك مع أولاد عمها، فقد أحببتها كالعذراء وأكثر، وكنت تدري أنها من عينيك تخاف لكنها تحبك، ولكنها تخاف منهم أكثر منك يا فيتوريو، تخاف من خطئها الفاضح حين أمنتهم على شرفها فاغتصبوها باسم الحزبية المقيتة. تخاف عليك وعلينا وعلى القدس من قبلنا، لشباب الثورة المطمورون تحت لحاف الرعب. أما آن لكم أن تُعلّموا غزة فن الصراخ؟ ماذا يا شباب الثورة؟ ماذا من بعد فيتوريو؟