ليس مجرد مصادفة أن تتزامن جريمتا اغتيال جوليانو مير خميس و فيتوريو آريغوني في جنين وغزة فلا تفصل بينهما سوى أيام معدودات. القاتل يبدو واحداً حتى لو اختلفت الأدوات التنفيذية لكل من الجريمتين اللتين حدثتا في لحظة مفصلية من تاريخ النضال الفلسطيني وكفاحه النبيل لأجل دولته الحرة المستقلة حيث يتعاظم التأييد العالمي لهذا النضال وتتكشف أمام شعوب الأرض المزيد من الحقائق التي تفضح النازية المعاصرة المسماة إسرائيل وذلك بفعل ثورة الميديا وتعدد قنوات التواصل والاتصال بشكل بات من المستحيل معه التحكم بمواد البث رغم كل المحاولات التي يبذلها اللوبي الصهيوني في هذا الاتجاه عبر الضغوط التي يمارسها على شبكات التواصل الاجتماعي لحذف هذا الموقع أو ذاك وهذه الصفحة أو تلك، خصوصاً ما يتعلق منها بفضح الجرائم الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني المصلوب على خشبتي الاحتلال والانقسام في آن. كذلك تأتي الجريمتان في وقت يزداد الاستعداد الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يلزمها الكثير الكثير لتحقق مقومات الدولة، لكن لا بأس بخطوات أولى في مشوار الألف ميل. ولعل الذي خطّط ودبّر للجريمتين، ومرة أخرى أياً تكن الأيدي المنفذة، أراد القول إن الفلسطينيين لا يستحقون تضامناً ولا اعترافاً دوليين فها هم يقتلون المتضامنين معهم سواء كانوا يهوداً كجوليانو أو أجانب كفيتوريو. طبعاً لن تعدم إسرائيل وسيلة لتنفيذ مآربها ولن يستعصي على موسادها تجنيد مَن يلزم في زمن باتت فيه الخيانات على أنواعها مجرد وجهات نظر. لكن الأنكى من سعي إسرائيل الدائم لتشويه صورة العرب عموماً والكفاح الفلسطيني خصوصاً، هو وجود مَن يسهل مهمتها ويوفر عليها الكثير من الجهد والتعب، على شاكلة تلك الفرق الظلامية القاتلة التي اغتالت آريغوني مُقدمةً خدمةً مجانية أو مدفوعة الأجر لأعداء الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال، مُؤكدةً بفعلتها الشنيعة أن الظلام تتمة الاحتلال، فيما التنوير هو طريق التحرير. كل فعل ظلامي أو جاهل ومُتخلف يصبّ حكماً في خدمة المحتل سواء أكان ناجماً عن عماء ايديولوجي مقيت أو عن عمالة عمياء تجد لها في ضمير أصحابها أعذاراً أقبح من ذنوبهم. معظم الثورات التي أفلحت في إنجاز التحرير أو التغيير ولم تتحول الى أنظمة استبداد بديلة تأكل أبناءها وشعوبها كانت ثورات تنويرية تتسع لجميع الأفكار والاتجاهات وتبشر بقبول الآخر وتتسع له، لذا فان تحرير فلسطين الحقيقي لا الوهمي لن يمر إلا عبر حركة تحرر تنويرية تجمع مختلف الأفكار والاتجاهات العقائدية والفكرية وتبتعد عن منطق التكفير والإلغاء وجزّ الرقاب لمجرد أنها تحمل رؤوساً مختلفة التفكير أو الإيمان، حركة بات الشعب الفلسطيني في أمسّ الحاجة إليها لفرض إنهاء الانقسام والتفرغ مجدداً لمواجهة الاحتلال ومقارعته تمهيداً للخلاص منه. جوليانو وفيتوريو فلسطينيان استحقا فلسطينيتهما بدمهما وكتبا به أنشودة عشق إنسانية عابرة للحدود والجنسيات والعقائد، لأجل الحق والحرية.