غيب الموت المفكر الكويتي خلدون النقيب بشكل مفاجئ، في أيام جُمع سميت بحسب أعداد النازلين إلى الشارع، فواحدة للرحيل وأخرى للزحف وثالثة للنصر ورابعة للرباط، وهكذا تعددت الجُمع والعدو واحد وهو التخلف والاستبداد. وكان هذا النزول الشعبي لا شك جميلاً بالنسبة إليه، فالنقيب لطالما توقع حدوث الثورات، وتحدث مطولاً عن فقه التخلف، وإشكالية القبيلة والدولة في المشرق العربي، ولطالما قال الكثير عن الدولة التسلطية فيه، وكان يمكن أن يكون هادياً للجماهير لنزع ما تبقى من استبداد، غير أن الموت عاجله في أزمة قلبية دونما مقدمات. خلدون النقيب، اسم كويتي محترم بين علماء الاجتماع العرب، بقي مفكراً له إطلالته الموسوعية على علوم الاجتماع والسياسة وطبيعة التركيبة العربية، ودونما تغير يذكر في ملامحه، حافظ على علميته وبهائه، ولم يجامل في الرأي العلمي الذي لم ينبهر بمال ولا موقع، وكان بوسعه أن يكون في أي مكان يطمح إليه أي مثقف مستنير في دولة من دول المشرق العربي ذات الثروة والغالب على مصائرها صفة القبلية. لكنه أراد أن يظل مستقلاً، وأن لا يكون على مسافة واحدة من الجميع، فالمسافة الواحدة تعني اللاموقف والقدرة على التملص من كل المعارك بلا خسائر، فكلما اقتضت الأمور الحدة عبّر النقيب عنها، وكلما اقتضى الوقت هدوءاً كان النقيب يشتعل مشتغلاً بأزمة الدولة العربية وتحولاتها، غير مهادن في رؤيته العملية لمستقبلها. واتسعت أعمال خلدون النقيب لتعاين مشروع الدولة العربية بأزمتها وقضاياها، وقد صدر له الكثير من الأعمال المهمة حول المجتمع العربي، والتي شكلت مشروعاً بحثياً له ولجيل من الباحثين العرب. وصفة المركزية لديه كعالم اجتماع لم تحل دون اشتباك مباشر بأسباب التخلف والعلة المعضلة في عدم التقدم للأمام، لكنه كان واضحاً في إشاراته إلى انعدام التنمية الحقيقية وتكريس الدولة الريعية وغياب البرامج العلمية والتربوية التي يمكن أن تسهم في تنصيب العقل والحرية كناظمين أساسيين لحياة المجتمع العربي الذي غاب عنه خلدون النقيب وهو ينتفض بشكل متزامن في ثلاث دول عربية ضد التخلف ومع الحرية. * كاتب أردني.