غيب الموت الذي لا مفر منه يوم الثلاثاء 26 أبريل (نيسان) 2011م، المفكر والباحث وعالم الاجتماع العربي / الكويتي البارز الدكتورخلدون النقيب أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الكويت، إثر أزمة قلبية ألمت به وذلك عن عمر ناهز 70 عاما. السيرة الشخصية والعملية للراحل الكبير الذي يعد أحد كبار علماء الاجتماع العرب حافلة بالنشاط العلمي، حيث كتاباته ودراساته وأبحاثه التحليلية والتطبيقية والتجريبية (الأمبريقية) اتسمت بالموضوعية والرصانة العلمية، والتي لم تكن منفصلة في الوقت نفسه مع توجهه الإنساني والفكري التقدمي والمستنير. نلحظ ذلك في رصده وتحليله لطبيعة التحولات الاجتماعية والحراك السياسي والثقافي في العالم العربي، ومشرحا سمات الدولة العربية الاستبدادية وطبيعتها الرعوية / التسلطية، ودعوته التي لم تكل لإنشاء الدولة المدنية والحديثة ونبذ الطائفية والقبلية. لقد كان صادقا ومنحازا بقوة إلى مصالح الشعوب العربية وآمالها وتطلعاتها المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة. من كتبه التي تطرق فيها إلى واقع المجتمعات العربية نذكر «فقه التخلف» و «محنة الدستور في الوطن العربي: العلمانية والأصولية وأزمة الحرية» و «الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر: دراسة بنائية مقارنة». و«الأصول الاجتماعية للدولة التسلطية في المشرق العربي» و«التدرج الطبقي الاجتماعي في بعض الأقطار العربية». منطقة الخليج العربي كانت حاضرة بقوة في العديد من كتب وأبحاث فقيدنا الراحل حيث تضمنت تشخيصا وتحليلا عميقا لطبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية فيها وخصوصا إثر اكتشاف النفط وبروز ظاهرة الدولة الريعية، ومركزا على العلاقة الملتبسة ما بين المجتمع والقبيلة والدولة فيها، ومن أهم مؤلفاته على هذا الصعيد كتاب «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية: من منظور مختلف و«مستقبل منطقة الخليج» و«جدلية الدولة والأمة» و «القبلية والديمقراطية: الكويت نموذجا».. على الصعيد المهني كان النقيب أحد مؤسسي «مجلة العلوم الاجتماعية» التي ترأس تحريرها في الثمانينيات، كما عمل أستاذا أكاديميا في جامعة الكويت، وشغل فيها منصب رئيس قسم علم الاجتماع (1991 1992)، وعميد كلية الآداب في الجامعة (1986 1988)، وحين وفاته كان النقيب يشغل منصب رئيس مجلس إدارة «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات». وقد جاء في نعي المفكر العربي عزمي بشارة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (مقره الدوحة) للفقيد «لقد كان (النقيب) باحثا ومثقفا كبيرا وانتخب رئيسا لمجلس إدارة المركز (العربي) بالإجماع في أولى جلساته» وبأنه كان «باحثا وأستاذا رصينا مخلصا لمعايير البحث العلمي ولطلابه ومواطنا عربيا ديمقراطيا ومتنورا، وأنتج من الأبحاث ما سوف يغني المكتبة العربية طويلا». وعبر مدير جامعة الكويت الدكتور عبداللطيف البدر عن حزنه لوفاة الدكتور خلدون النقيب حيث قال «شخصيا تأثرت عندما تلقيت نبأ وفاته فهو أستاذ كبير وفاضل ومفكر كويتي متميز وله مكانة مرموقة. وقال أستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية الدكتور علي الطراح «ترك الدكتور النقيب الحياة وجامعة الكويت وهو على علاقة طيبة مع الجميع بيد أن جامعة الكويت ظلمته في الحقيقة حيث إنه من الأساتذة المتميزين ووجد عثرات في الجامعة سببت إحباطات له وكان يجب أن يحصل على درجة الأستاذية منذ سنوات طويلة إلا أنه وضعت أمامه العراقيل بشكل وبآخر وعطلت ترقيته وودع الجامعة دون أن يحصل على حقه». آخر مشاركات الفقيد الراحل كانت في مؤتمر «الثورات والإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية»، والمنعقد في الدوحة في 18 أبريل الفائت، حيث استعرض تجربة الثورة التونسية ومسار الإصلاح في الوطن العربي حيث ترأس الجلسة الثانية من ذات المحور، التي تناولت الخلفية التاريخية للثورة، في الواقع لا يمكن فصل التغييرات العاصفة والحراك الشعبي والثوري المتواصل والمتعاظم الذي نشهده في المنطقة العربية، عن الجهد العلمي والمعرفي والفكري والإبداعي المستند إلى العقلانية والحداثة والتنوير لكتيبة رائعة من المفكرين والمجاهدين الفعليين (وليسوا المزيفين من القتلة من أمثال أسامة بن لادن ومنظمته الإرهابية) ومن أبرزهم فقيدنا الراحل والتي ناضلت على مدى عقود لتأصيل الفكر العلمي النقدي وتعرية وكشف جذور الاستبداد والظلامية الفكرية في عالمنا العربي. عزاؤنا أن ما عمل وناضل من أجله الفقيد والعديد من مجايليه العظام، ممن فقدناهم في الفترة القصيرة الماضية لم يذهب سدى، ونذكر من بينهم الدكتور نصر حامد أبو زيد والدكتور محمود أمين العالم والروائي الطاهر بن وطار والدكتور أحمد البغدادي والشاعر الدكتور غازي القصيبي والدكتور عبد العظيم أنيس وغيرهم الكثير. أعمالهم ونتاجاتهم الفكرية والإبداعية وتضحياتهم وأحلامهم بغد عربي أفضل وأجمل، يتحقق ويترجم اليوم إلى واقع جديد وحي وملموس، من خلال الفعل والحراك الشعبي والشبابي غير المسبوق في العالم العربي. لقد دخل العرب من جديد التاريخ كذات مغيرة وفاعلة ومؤثرة في الحاضر وصانعة للمستقبل، ليس في بلدانهم ومجتمعاتهم فقط بل على الصعيدين الإقليمي والعالمي. عزاءنا الحار لأسرة الفقيد ولكل محبيه وأصدقائه وزملائه في الكويت ودول مجلس التعاون وعلى امتداد المنطقة العربية والعالم. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة