هل تجيء عملية اغتيال الزعيم الرمز والأيقونة لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن لتعلن عن عبور الأميركيين من أيلول (سبتمبر) إلى 12 منه؟ الجواب يتطلب ربما التوقف أمام ملفين رئيسيين، الأول يتحلق حول سؤال رئيس: هل انتهت القاعدة بنهاية وموت بن لادن؟. والثاني هل واشنطن مستعدة لأن تدفع من جديد ثمن حالة الخوف التي تلبستها عبر العقد الماضي وبخاصة إذا امتدت مستقبلاً؟ يمكن القول إن غياب بن لادن سوف يمثل للوهلة الأولى صدمة عاطفية لكل أتباعه ومريديه، لكن المتخصصين في شؤون تنظيم القاعدة يدركون جيداً أن شكل التنظيم قبل 11 أيلول وهرمية اتخاذ القرارات فيه تختلف جذرياً عما بعد ذلك التاريخ، حيث صارت القاعدة رمزاً، وأنموذجاً بأكثر منها تراتبية وظيفية لمؤسسة قائمة بذاتها. هذا التحليل تعضده تصريحات أطلقها ذات يوم روبرت موللر الذي شغل منصب مدير وكالة المباحث الاتحادية، الذي قال فيه «إننا نشهد ارتفاعاً في عدد المجموعات ذات التلقين الراديكالي الذاتي التي تستخدم الإنترنت ولا تنظمها مجموعات من الخارج». أما مايكل تشريتوف وزير الأمن الداخلي الأميركي ومايكل هايدن مدير الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، فقد أكدا ذات مرة وفي تصريح مشترك أن «القاعدة لم تندحر ولم تطرد، إنما هي نحو مزيد من المرونة والتوسع والقوة». ومما لا شك فيه انه بجانب فكرة رمزية تنظيم القاعدة اليوم، فإن جسمها الرئيس الذي كان ملفتاً بشحمه ولحمه في مغارات تورا بورا وقندهار، من حول بن لادن والظواهري، قد أعاد تنظيم صفوفه بالتحول إلى وحدات صغيرة تمتلك مهارات إدارية جيدة، الأمر الذي يجنبها الكثير من الخسائر. فالوحدات الكبيرة تنتج مشاكل إدارية كما أنها تشغل مساحات كبيرة، مما يجعل إخفاء وجودها عن العدو وإبعادها عن مرمى القصف الجوي أمراً صعباً. لم تعد القاعدة تعمل كما جرى مع خلية هامبورغ في ألمانيا والتي ترأسها محمد عطا، ونسق لها في باكستان بن الشيبة، وقادها من أفغانستان خالد شيخ محمد، تحت إشراف بن لادن مباشرة. القاعدة إذن لم تمت وإن كانت تأثرت، ومع بقائها يضحى التساؤل الواجب الوجود: لماذا تفشل واشنطن في حربها ضد الإرهاب؟. عند عميدة جامعة برنستون أننا «نخسر الحرب على الإرهاب لأننا نتعامل مع العَرض وليس مع الأسباب الجوهرية التي جاءت بالمرض. إن إصرارنا على إحلال الإسلام محل الشيوعية كعدو للغرب، يغذي رؤية القاعدة للعالم، مما يزيد من الدعم الذي يقدم لها ويدفع الكثيرين في ذات الوقت باتجاه التطرف. تفشل واشنطن بسبب فشلها في معركة الأفكار على المدى الطويل، سيما وأنها لا تواجه عدواً متمثلاً في دولة واحدة أو حتى تحالفاً، وإنما حركة عالمية لا تنتمي إلى دولة، وما لم تشن واشنطن حرب أفكار فعالة فإن آخرين سيحلون محل هؤلاء الأعداء كلما قتلتهم النيران الأميركية». في هذا السياق يبقى من البديهي القول إن اغتيال بن لادن لا يوفر طمأنينة للأميركيين، بل ربما زاد المخاوف من ردود الأفعال الغاضبة عربياً وإسلامياً. هل معنى ذلك أن تبقى أميركا أسيرة لفوبيا بن لادن حياً وميتاً؟ في كتابها «مذكرة إلى الرئيس المنتخب» تخط وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت سطوراً تقول فيها: «إن الخوف هو عدو أميركا الأول، لقد تعرضنا للابتزاز من قبل البيت الأبيض، كي نعتنق ثقافة الخوف التي قادت وضيقت مجال سياستنا الخارجية وعملت في الوقت نفسه على تسميم قدرتنا على التواصل بفعالية مع الآخرين». وبعد إلقاء بن لادن في اليم، هل من طمأنينة لأميركا – اوباما تطرح الخوف خارجاً؟ يصعب القول إن طائر القلق سيرحل عن سموات الإمبراطورية المنفلتة، بسبب إخفاقها في ابتكار ردود خلاقة في مواجهة 11 أيلول، ردود تتجاوز صواريخ التوماهوك والكروز، إلى أفكار إنسانية، وتواصل إيماني، وأطروحات سلام عقلانية، وتعايش في إطار من العدالة الكونية، تتفق مع النواميس الإلهية، ولا تجافي الشرائع الوضعية. الحرب على الإرهاب عبارة من ثلاث كلمات أوجدت ثقافة خوف عامة في الولاياتالمتحدة، وألحقت ابلغ الضرر بالحلم الأميركي والديموقراطية الأميركية... هكذا يقرر زبغنيو بريجنسكي حكيم أميركا وكأنه يقر بالخطأ التاريخي الذي ارتكبته بلاده في أفغانستان، وقد كان صاحب فكرة إرسال الشباب العربي المسلم للجهاد هناك ضد السوفيات، حيث تم تخليق «وحش بن لادن». موت بن لادن لن ينهي بالمطلق وجود القاعدة، بل ربما يعيد زخمها، كما لن يمنع المزيد من الخوف داخل أميركا. وعوضاً عن أن تكون أميركا في عهد اوباما «مدينة فوق جبل» تنير للجالسين في الظلمة ديموقراطية وحرية وعدالة، تضحي ومن جديد قلعة للكراهية، عبر وجهي الإله جانوس اله الرومان، وجه القوة والسلطة المطلقة، ووجه البراغماتية السياسية، وقد سئمهما الناس ومجتهما الأمم. * كاتب مصري.