بعد مرور نحو سبعة قرون ونصف قرن على عهد السلطان المملوكي الأشهر الظاهر بييرس، قررت حفيدة كازاخية له تدعى إليينا القيام برحلة بحث عن آثاره وما مثله من قيمة تاريخية وسياسية عسكرية رفيعة في زمنه، ومعها والدتها نزه خان وشقيقها دانيال. تقول إليينا: «أبحث في الأماكن التي كان لجدي آثار فيها لأتقصى حقيقة بعض الوقائع التاريخية». وتضيف الطالبة في الجامعة الكازاخية التي تعشق التاريخ وتستمتع بالبحث والتحليل: «في كازاخستان يمكننا التعرف الى أصول أجدادنا حتى سابع جد، فمن خلال البحث والدراسة نتعرف الى شجرة العائلة وجذورها بفضل حرص حكومتنا على توثيق أصول العائلات حفاظاً على التراث الكازاخي، وليتعرف الأحفاد الى أمجاد الأجداد». وتوضح: «أصدقائي يعلمون أنني من سلالة سلطان ويبدون تشوقاً للتعرف الى سيرته، وأنا علمت عن السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُنْدُقْدارِي الصالحي الكثير، وهو جدي لأمي، ولدينا معرفة وافية ببطولاته العسكرية في مصر وبلاد الشام، فهو تحدى فضاءات استثنائية فرضت حوله واستطاع أن يقود المجتمع الإسلامي في ظروف حالكة إلى دحر المغول». وتشير إليينا إلى أن معظم ما قرأته عن الظاهر بيبرس كان لمستشرقين، وأنها ترغب في التعرف اليه من وجهة نظر عربية إسلامية. وتذكر أن أهم ما كان يتصف به، الشجاعة والإقدام والدهاء، والكرم وحب الخير والإحسان إلى الفقراء. وعن فيلم «وا إسلاماه» الذي جسَّد فيه الراحل رشدي أباظة دور الظاهر بيبرس تقول: «لم تتح لي فرصة مشاهدته ولكنني أعلم أن في الدراما الكثير من المبالغات، فيما الأفلام الوثائقية تكون أصدق». زارت إليينا منطقة الأهرام وأبي الهول في الجيزة، وقلعة صلاح الدين، ومسجد الظاهر بيبرس في القاهرة، كما زارت في الإسكندرية حدائق المنتزه وقلعة قايتباي ومقابر «كوم الشقافة» والفنار والمكتبة. تقول: ارتحت أكثر في الإسكندرية لتقارب أجوائها مع أجواء كازاخستان، كما أنها أكثر هدوءاً وذات طابع أوروبي». وتوضح نزه خان والدة إليينا أنها «حرصت من البداية على تعريف أبنائي بتاريخنا الإسلامي، فنحن مجتمع إسلامي. كازاخستان جمهورية لديها التنوع الحضاري والقومي المتماسك، ونحن لدينا الثقافتان الكازاخية والروسية، ونتحدث بالروسية». وتلفت إلى أن الكازاخية القديمة ذات حروف عربية، «فالتأثير العربي واضح في الثقافة الكازاخية سواء الأدبية أو الموسيقية وهناك كثير من الأدباء والمثقفين الكازاخ نقلوا الملاحم الشرقية الكبيرة مثل مجنون ليلى». وتوجه سليلة السلطان الظاهر بيبرس للشعب المصري رسالة تقول فيها: «أحبوا تاريخكم وبلادكم وأعيدوا بعث حضارتكم». يذكر أن بيريك أرين سفير جمهورية كازاخستان في القاهرة أعلن أن بلاده تبرعت بمبلغ 4.5 مليون دولار لترميم مسجد الظاهر بيبرس في وسط القاهرة، بموجب اتفاق التعاون بين البلدين وأن المشروع أوشك على الانتهاء. والظاهر بيبرس هو السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البُنْدُقْدارِي الصالحي النجمي الملقب بأبي الفتوح ولد في منطقة الفبجاق واسمه مكون من مقطعين «بي» أي أمير و «برس»، أي فهد. وهو ورابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي، بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط. وتميّز بدوره العسكري ومشاركته المماليك في معركة المنصورة ضد الصليبيين عام 1249، التي أسر فيها الملك الفرنسي لويس التاسع في دار بن لقمان.