قبل 30 سنة حضرت زواج الأمير تشارلز والليدي ديانا سبنسر في كاتدرائية سانت بول، واليوم أحضر زواج ابنهما ويليام وكيت مدلتون في كنيسة وستمنستر، وهي تلاصق مدرسة أولادي الثانوية وتطل على ساحة البرلمان وساعة «بيغ بن». أقول «حضرت» مجازاً، لأنني واثق من أن دعوتي الى زواج الأب وبعده الابن أرسلت إليّ ولكن ضاعت في البريد، فأنا والأمير تشارلز شريكان في حوار الإسلام والغرب منذ 30 سنة، وقد دعيت مرات عدة الى بيته في لندن كلارنس هاوس، وبيته الريفي هايغروف، وإلى قصر بكنغهام. طبعاً أنا أهاذر القارئ، وهو أيضاً لم يُدعَ الى حفلة الزفاف قبل 30 سنة واليوم. ولو عشنا 30 سنة أخرى فلن نُدعى الى زواج أبناء ويليام وكيت. والهذر ردي على تعامل صحف بريطانيا وأميركا التي أقرأها كل يوم، وكأن زواج ابن ولي عهد بريطانيا أهم خبر في العالم منذ أكثر من شهر، فالمادة عنه تفوق المنشور عن الأزمة المالية العالمية المستمرة، وحرب أفغانستان والإرهاب، وثورات الغضب العربية، وإفلاس الولاياتالمتحدة. هناك صفحات كثيرة وملاحق في صحف لندن كل يوم عن زواج ولي عهد ولي العهد، وقد فوجئت بأن «واشنطن بوست» تنشر ملفاً خاصاً عن الزواج الملكي كل يوم أيضاً، يضم بضعة عشر تعليقاً وتحقيقاً. وعندما طلبت أخبار الزواج في جريدة «هفنغتون بوست» الإلكترونية الرائجة جداً، وجدتها في 26 صفحة كاملة، حتى إن ذيل فستان زفاف ديانا كان موضوع خبر، فقد بلغ طوله 25 قدماً، أو حوالى ثمانية أمتار، ولم تعرف العروس كيف تمشي وهي تدخل الكنيسة وتخرج منها، كما احتارت المرافقات في حمله لمساعدتها على الحركة. كيت مدلتون سترتدي حتماً فستان زفاف أكثر تواضعاً، وأتمنى للعروسين حياة سعيدة وخلفاً صالحاً من أبناء وبنات، وأتوقع للعروس حظاً أفضل من حماتها الراحلة، فهي أذكى وأفضل تعليماً وبعيدة عن نزق ديانا وخفة تصرفاتها. اليوم ربما كانت الكلمة الأكثر دقة هي أنني أتابع الزواج الملكي، لا أحضره، غير أنني في الواقع لو خُيِّرت لا أريد متابعته، وإنما أفعل مرغماً، لأنني في لندن وأجد نفسي في وسط الحدث. وكنت أعتقد أنني «نِكد» لا تهمني الأفراح، ثم قرأت استطلاعاً أظهر أن ثلاثة أرباع البريطانيين لا يهمهم الزواج الملكي، ويفضلون تجاهله لو استطاعوا. وأرجح أنه لو أُجري استطلاع مماثل في الولاياتالمتحدة لتبين ان ثلاثة أرباع الأميركيين مهتمون جداً بزواج في بريطانيا، مع أنهم قبل 235 سنة طردوا الحكم الملكي البريطاني من بلادهم وأعلنوا الاستقلال. ويبدو أنهم ندموا، فقد توافد على لندن 1.5 مليون زائر لمتابعة الزواج، بينهم أميركيون كثيرون، والذين لا يستطيعون رؤية العروسين في الموكب الى الكنيسة ومنها، قد يستعيضون عن ذلك بالفرجة عبر شاشة تلفزيون ضخمة في ميدان ترافلغار (الطرف الأغر) أو حديقة هايد بارك. داخل الكنيسة هناك 1500 مدعو اليوم، منهم ألف من أصدقاء العروسين، و52 من أعضاء الأسرة المالكة البريطانية، و46 عضواً من أسر مالكة أجنبية و26 رجل دين، بينهم إمام وحاخام. وفي حين أن رؤساء الوزارة البريطانيين السابقين يُدعَوْن، فإن توني بلير وغوردون براون لم يُدعيا، ما أثلج صدري. وسيكون أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة وقرينته الشيخة موزة المسند موجودين، إلا ان الأمير سلمان بن حمد، ولي عهد البحرين، سيغيب، فقد اعتذر في آخر لحظة بسبب الأحداث في بلاده. وكان منشقون بحرينيون في بريطانيا احتجوا على دعوة ولي عهد البحرين وهددوا بالتظاهر، والغريب ان الصحافة الليبرالية اللندنية أيدتهم، مع ان هؤلاء موالون لإيران، ومتطرفون، من نوع الأقلية التي أفسدت الحوار في البحرين بقيادة الأمير سلمان. والاحتجاج وصل الى الأمير محمد بن نواف، السفير السعودي الذي سيحضر الزفاف مع سفراء دول العالم، ترافقه زوجته الأميرة فدوى العبدالله، والسبب إرسال قوات سعودية الى البحرين، ولا أفهم هل كان المطلوب تسليم البحرين لجماعة ايران حتى ترضى صحف اليسار اللندنية. سأنسى هذا السخف وأنا أنتظر اليوم سماع كلمة الإشبين الأمير هاري، فقد وعد بألاّ يقول شيئاً يزعج جدته الملكة إليزابيث، ولكن بأن تضم كلمته ما يجعل شقيقه العريس يفقد بعض شعره. الأمير ويليام وقع في غرام كيت عندما رآها في عرض أزياء للطلاب في ثوب شفاف جداً يكشف تفاصيلها، وهو متخصص في الجغرافيا تهمه الثنايا والانحناءات، أقول مبروك، (وأعود غداً إلى الوضع في سورية). [email protected]