أبدت أوساط سياسية يسارية تفاؤلاً بمسيرة التغيير والإصلاح التي يقودها كمال كيليشدارأوغلو في «حزب الشعب الجمهوري» وريث الأفكار السياسية لمصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، في اتجاه تحويله الى حزب يسار ديموقراطي، وتخليه عن سياسات الإيديولوجيا الأتاتوركية. ولفتت النقاط التي تضمنها البرنامج الانتخابي للحزب، والتي كشف عنها كيليشدارأوغلو الجمعة، وتشير الى تحوّل حقيقي وضخم في العقلية التي تقود الحزب ذي الجذور الأتاتوركية، إذ أن كيليشدارأوغلو لم يلفظ، للمرة الأولى، كلمة العلمانية، ولم يبنِ سياسة الحزب على أن العلمانية مهددة أو في خطر. ويستهدف كيليشدارأوغلو من ذلك كسب ناخبين يمينيين لديهم مواقف مسبقة من الحزب، كما بدا البرنامج الانتخابي أكثر قوة من ذاك ل «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، في تركيزه على القضيتين السياسيتين والاجتماعيتين الأكثر أهمية في تركيا، وهما المسألة الكردية والمسألة العلوية. وتعهد «حزب الشعب الجمهوري» منح الأكراد كلّ حقوقهم الثقافية، وفي مقدمها التعليم باللغة الكردية، بعدما كان الحزب ومسؤولوه يتجنبون استخدام كلمة كردي خلال حديثهم الرسمي، كما ورد في البرنامج الانتخابي للحزب، وعد بإعطاء العلويين حريتهم في العبادة وبناء دور العبادة الخاصة بهم. وحاول كيليشدارأوغلو أيضاً اقتحام الأناضول الذي يحتكر الحزب الحاكم أصواته، وذلك من خلال توزيع وعود بتنفيذ مشاريع تنموية ضخمة، تدعمها وعود بإيجاد نحو 800 ألف وظيفة، ومشروع للتأمين العائلي سيساند الأسر الفقيرة، براتب شهري يبلغ 400 دولار، وهذا أهم المشاريع الاقتصادية التي يراهن عليها الحزب. ولم يهمل كيليشدارأوغلو النقابيين والعمال اليساريين، بل أبقى على حبل الودّ معهم، متعهداً منحهم حقوق التظاهر والإضراب، المحرومين منها. وأهمّ ما ميّز البرنامج الانتخابي للحزب الذي يرفع صورة أتاتورك، إعلان طلاق بائن مع الجيش، من خلال تعهده تقليص الموازنة العسكرية في شكل ضخم، واختصار مدة الخدمة العسكرية من 15 الى 6 شهور فقط، وتأكيد فتح ملفات التجاوزات الأمنية والعسكرية التي حدثت خلال ثمانينات القرن العشرين، والتي أسفرت عن مقتل مئات الأكراد واليساريين، والذين قُيّد التحقيق في حوادث اغتيالهم ضد مجهول. وكان كيليشدارأوغلو تخلّص من كلّ قيادات الحرس القديم في الحزب، والتي تتمسك بالسياسات القديمة، من خلال عدم ترشيحهم للانتخابات الاشتراعية المقررة في 12 حزيران (يونيو) المقبل. ويرى مراقبون يساريون أن نتائج الانتخابات ستكون بمثابة استفتاء على السياسات الإصلاحية لكيليشدارأوغلو، وقدرته على جمع اليساريين والأتاتوركيين في خندق واحد، بعيداً من الأيديولوجيا، علماً أن قيادات الحزب تستهدف رفع شعبيته من 22 الى 30 في المئة من الأصوات في الانتخابات المقبلة، لتأكيد نجاح تحوّله والبدء بتهديد عرش «حزب العدالة والتنمية» الذي يحكم تركيا منذ 8 سنوات، ويستهدف الانفراد بالسلطة حتى عام 2023، كما أعلن زعيمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.