حاول الفقيه اللبناني علي الأمين اغتنام جلسة في دار القاضي السعودي عيسى الغيث حضرها عدد من المثقفين والإعلاميين، لبث السعوديين هموماً ألمح تارة وصرح أخرى بأنها أدمت قلبه حول الوضع المتأرجح، الذي آلت إليه العلاقات بين شيعة العرب وسنتهم. وكشف عن قناعة راسخة لديه بأن «شيعة العرب المعتدلين أكثر عدداً وأفقه وأعلم مرات عدة من نظرائهم المتطرفين، إلا أن الأولين لم يجدوا حاضناً وركناً يأوون إليه، بينما تتبنى الآخرين إيران بكل ثقلها المادي والسياسي والمذهبي». وقرر أن التصور القائم بأن معظم الشيعة العرب واقعون في هوى الجمهورية الإيرانية، مرده وقوعهم تحت سطوة الجحود العربي وسيف الوعيد الفارسي وحلفائه المتطرفين. وضرب مثلاً بنفسه، وهو الذي عرف مغرداً خارج سرب إيران وقال: «حين كنا نعاني أشد الضغوط، قابلنا إحدى الشخصيات اللبنانية المهمة، فطلبت منها بعض الدعم السياسي، الذي يُشعر الخصوم بقوة موقفي، فدعا سفراء من دول عربية إلى زيارتي مساندة وتعزيزاً، إلا أنني حينما طلبت منهم نشر الزيارة إعلامياً رفضوا، خضوعاً للعنصر المتطرف الذي يخشون غضبته، مع أن اختلافه معهم ظاهر»، في إشارة إلى حزب الله. واعتبر أن تعزيز إيران لفريقها وخذلان العرب لشيعتهم المعتدلين، أوصلا للغالبية المعتدلة من الشيعة رسالة غير مباشرة بأن الصمت أفضل، «وإلا فإن الغالبية التي ترفض نهج حزب الله وإيران وحلفائها، وتؤمن بأوطانها وأمتها العربية هي الأكثرية». ولدى سؤاله عما إذا كان الحل معقداً في ظل استمالة إيران لمرجعية شيعة العرب في النجف، رد غاضباً: «ماذا تكون المرجعية؟ نحن من صنع المرجعية، والعرب قادرون متى شاؤوا على صناعة مرجعية تواليهم». وألمح إلى أن التشيع عربي والمقلدين عرب، ليختم بالتساؤل: أين المشكلة؟ واعتبر أن المرجعية الحالية المتمثلة في السيد علي السيستاني أسهمت في التأجيج، أو غاب على الأقل صوتها في الأوقات الحرجة في لبنان والبحرين. وعلى رغم صوته الواضح ضد الطموحات الإيرانية، أعلن إيمانه بأن التصعيد ليس الحل، ونصح إيران تحديداً بأن تتذكر أن الخليج بوابتها إلى العرب والمسلمين، فإن هي خسرته بتدخلاتها غير الحكيمة، فإنها حتماً ستخسر العرب أجمعين. ولا يجد الأمين مبرراً منطقياً لاستياء إيران من دخول قوات درع الجزيرة للبحرين، وهي الخطوة التي استغلها الإيرانيون كثيراً في الإساءة لجيرانهم الخليجيين وقال: «البحرين دخلتها القوات وفقاً لمعاهدات وبرضاها، فأين المشكلة؟». وكما كان المفكر العراقي حسن العلوي يستاء مما اعتبره «تسليم شيعة العرب هدية إلى إيران»، كرّر الأمين الموقف نفسه، ورأى الحل في إعادة النظر في الاستراتيجية الراهنة في الاستسلام للواقع الذي تصنعه إيران وحلفاؤها. داعياً إلى مقاومته بتقريب المعتدلين من الشيعة، والتخلي عن خطاب التأجيج الطائفي من الطرفين. ولم ينس التحذير من أن الخطاب المحذر من سلوك إيران ينبغي أن يكون موجهاً للحكومة فقط، وليس إلى الشعب الإيراني الذي لا يرتضي هو الآخر كثيراً من سياسات حكومته. لكن إذا ما وصف كل الإيرانيين بأنهم أعداء ومجوس وفرس على حد تعبير الأمين، فإن ذلك سيوحّدهم ويعمّق الفجوة أكثر.