وزارة الموارد البشرية تحقق انخفاضًا بنسبة 93% في الزيارات الحضورية عبر "الفرع الافتراضي"    المملكة تستعد لتدشين فعاليات أسبوع البيئة تحت شعار " بيئتنا كنز" 20 أبريل الجاري    ابن زكري : المباراة أمام الشباب ستكون صعبة ولاخوف على فريقنا    جازان تودّع شيخ قبيلة النجامية بحزن عميق    15 ألف قرار بحق مخالفين    دوريات الإدارة العامة للمجاهدين بمنطقة جازان تحبط تهريب (37) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    أمير جازان يرأس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في يومي الصحة والتوحد العالمي    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدة مناشط دعوية في الدوائر الحكومية خلال الشهرين الماضيين    صحيفة الرأي توقّع عقد شراكة مع نادي الثقافة والفنون    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    تقلب المزاج.. الوراثة سبب والاتزان النفسي علاج    «السكري» يتغلب على الشارقة ويضع قدماً في النهائي الآسيوي    رودريغيز يستهدف جيسوس للتغطية على كوارثه!    السعودية وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية    المملكة الأولى عالمياً في تمكين المرأة بمجال الذكاء الاصطناعي    ملتقى ومعرض المنصات المالية الذكية iPExpo2025    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    تمير من سدير يا جمهور الهلال!    رحلة آمنة    ثغرة خطيرة في WhatsApp    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    وزير الدفاع يبحث تطور العلاقات الأخوية مع نظيره العراقي    ثقافات الفن وتأويلاته المبتكرة «على مشارف الأفق»    باقي من الماضي والآثار تذكار    الدرع قصدك فيه فرحة والاوناس لاشك عند اللي يجي له ثميني    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    دول آسيا تبحث عن حلول للتعامل مع حرب التجارة الصينية الأمريكية    سعود بن بندر: الاستثمار في البنية التحتية الذكية والابتكار يؤتي ثماره في تحسين جودة الحياة    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنتسبي إمارة تبوك بمناسبة العيد    زهرة اللبن (الأقحوانة البيضاء) حورية الرومان وملهمة الشعراء    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي    قلق أممي إزاء وضع المدنيين في السودان    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    وزير الخارجية يصل إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية    هدف نيوم السابق.. تقارير مصرية تؤكد تعاقد الأهلي المصري مع زيزو    الاستثمار الرياضي يناقش تطوير البنى التحتية    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    إطلاق اختبارات "نافس" في جميع المدارس الابتدائية والمتوسطة    مباحثات لتعزيز التعاون الدفاعي بين السعودية والعراق    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    عسير في خريطة العمارة السعودية.. تعزيز لأصالة البناء وجماليات التصميم    لك حق تزعل    القمة الثلاثية تطالب بوقف إطلاق النار ودعم دولي للسلطة الفلسطينية    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    رجال الأمن صناع الأمان    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حب الروائي عزت القمحاوي ... الذي يخبو فجأة
نشر في الحياة يوم 02 - 12 - 2017

يبدو أنّ الكاتب المصري عزت القمحاوي تمثّل جيداً قصيدة «إيثاكا» للشاعر اليوناني كفافيس، وهو يكتب روايته «يكفي أننا معاً» (الدار المصرية اللبنانية) التي ضمّتها القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. فهي تقوم على مجاز الرحلة، انطلاقاً من حضور أسطورة عوليس. يقول كفافيس في المقطع الأخير من قصيدته: «حتى لو كان للشيخوخة أن تدركك وأنت تصل إلى الجزيرة/ غنياً بكل ما جنيتَه في الطريق/ مِن دون انتظار لأن تمنحك إيثاكا الغنى/ لقد منحتك إيثاكا الرحلة الرائعة/ فمن دونها ما كان لك أن تبدأ الطريق». وفي الميثولوجيا الإغريقية، يكابد عوليس قدراً من المعاناة النفسية والذهنية قبل أن يبدأ رحلته حتى يحقق هدفه ويعود منتصراً إلى المكان الذي بدأ منه. بينما يقوم هيرمس، أو أثينا، بدور المرشد الذي يعينه في ظلمات البحر الكبير، ويحدث أن يفقد البطل الميثولوجي اتجاهه لكنه يحقق هدفه حين يعود أدراجه خطوة خطوة إلى حيث بدأ.
وبالمثل، بدا بطل رواية القمحاوي، المحامي الخمسيني جمال منصور، في حاجة إلى رحلة يتجاوز فيها ما كان يعانيه قبل أن تظهر في حياته الشابة العشرينية خديجة البابي، المعمارية التي قصدته ذات مساء، فقادته مثلما فعل هرمس إلى الرحلة لمواجهة أسئلته الذاتية، حين اكتشف رعب الشيخوخة يطرق بابَه. تسرد الرواية في شكل مكثف تفاصيل علاقة حب اعتيادية تعيد بأناقتها الاعتبار إلى معنى «البساطة». فاللغة عادية تماماً، لكنها مكتنزة بالدلالات، تقوم على مهارة الوصف والقنص والاستثمار في اليومي والمعيش أكثر من أي شيء آخر. تروي الحكاية سيرة جمال الذي أدى مهامه العائلية في تربية أشقائه الأصغر منه سناً، وتمكينهم مِن الزواج وتأسيس حيوات مستقلة بعيداً مِنه. وعلى رغم سعادته بالنتيجة، تسرّب الخواء إلى روحه ولم يعد راضياً بما تحقق له من نجاح مهني وبدأ يشكك فيه.
كان يقضي يومه في المكتب، ينسق النباتات، يفرح بهياجها في المواسم، يعيش يومه فحسب. لم يشغل نفسه في شكل أيامه المقبلة، فهو يفضل دائماً طعم الأشياء العابرة ويستلذّ بألَق المواسم. تخصّص جمال في قضايا الأحوال الشخصية، لكنه لم يترافع طوال مسيرته إلا عن النساء، لأنهن الأقدر على دفع الثمن. واعتمد على مرافعات بلاغية ومذكرات قانونية سابقة التجهيز كانت صالحة للحالات كافة. تحوّلت وقائع حياته إلى يوميات معلّبة، افتقرت إلى «ماء الحياة» الذي لم يجده مع نوعية من النساء يسميهن «نساء البرزخ»، نال منهن ما أراد وعبرن حياته بسرعة، لذلك لم يجد مع عطائهن أي دافع للزواج، كما وجد في ظلال إخوته تعويضاً عن فقد ألفة العائلة. لا يشبه جمال منصور معاصريه مِن المحامين، لأنه ينتمي إلى جيلٍ انقرض، يهوى الاطلاع على الكتب الأدبية والفكرية، واسع المعرفة، لذلك يبني مرافعاته على البلاغة مؤمناً بأن الفيصل ليس القانون وليست الوقائع، بل براعة المحامي الذي يعرف كيف يعرض قضيته، ويعيد خلق الوقائع على هواه.
شغف قديم
استندت معرفته بالبلاغة إلى شغفٍ قديم بالكتابة الأدبية تبدّد في أروقة المحاكم، لكنه ظل مولعاً بالروايات الكلاسيكية يحكي مثل كتابها ويتجنب طريقتهم عند المرافعة، لأنهم كانوا يلتمسون لأبطالها العطف وليس الفوز. كانت حكمته التي يرددها في المحاكم: «لا يمكن المرء حمل بطيختين في يد واحدة»، وكان من الممكن أن يمضي في حياته على نحو أفضل، لو لم يكن أول المؤمنين بهذه الحكمة قبل أن تظهر خديجة التي جاءته لتسأله عن العلاقة بين عمارة المحاكم وعدالة النظام السياسي.
كسرت بشبابها وتدفق حديثها الطابع الاعتيادي لحياته بعدما قادها إليه الشغف بمرافعاته التي كانت تتابعها وهي تجمع مادتها لبحث الدكتوراه. نمَت العلاقة بينهما تدريجاً وبإيقاع سريع في النصف الأول مِن الرواية إلى أن اقترحت عليه السفر إلى إيطاليا في رحلة حب بدت سبيلاً للتحرر مِن فضول المتتبعين وأداة لحسم التردد والتباس المشاعر الذي كان يعانيه تجاهها بسبب فارق العمر بينهما. كانت العلاقة التي جمعت جمال وخديجة، منذ اللحظة الأولى أقرب ما يكون إلى مناورة غير متكافئة، لعبت هي فيها دور القائد صاحب المبادرة والقرار، بينما ظل هو في منطقة رمادية يفتقر فيها إلى الحسم. وعلى رغم أن علاقة الحب كانت هي الهاجس الرئيس وعمود الارتكاز داخل النص، نجد أن الكاتب صاغها على خلفية واعية بالتطورات المجتمعية والسياسية، بحيث بدت الرواية على نحو ما معنية بتأمل تراجع القيم الجمالية وزوالها بما فى ذلك معنى «الثورة».
في الواقع يصعب فصل تدهور العمارة في مصر عن تدهور المهن، لذلك بدت علاقة جمال الذي يعطي مثالاً لطبقة وسطى متعلمة مع خديجة مثل إشراقة لإمكان نهضة جديدة. مجيء خديجة بمعرفتها الواسعة بفن العمارة وضعت يده على أسباب نفوره من ارتياد المحاكم الجديدة وفكر أن: «الحياة أنساق، لا شيء يتغير منفرداً بمعزل عن بقية المجالات، وهو ما تأكد له في رحلة إيطاليا التي لا تزال مدنها تصون تاريخها وعمارتها الفذة».
أنماط معرفية
ويحفل هذا الجزء من الرواية بأنماط معرفية فريدة تكشف عن عمق ثقافة الكاتب وهو يصهر العمارة بالموسيقى بفنون الطهي، إضافة إلى معرفة مبهرة بجغرافيا المدن الإيطالية وأسرارها. يبدو الحب في الرواية طاقة لإعادة اكتشاف الأشياء الغافية، حيث عاود البطل الاعتناء بجسده والكفاح من أجل تنحيفه وترافق ذلك مع اكتشاف المدينة التي تتراكم على أشجارها طبقات السخام ويرتفع فيها ضجيج المركبات الصناعية. غير أنه انتبه مع التمشية اليومية مع عشيقته أن القاهرة لا تخلو من جمال غاف هنا أو هناك، كما مكّنته التعرجات العشوائية في الشوارع الجانبية من خربشة طبقة العنف المتكاثفة على السطح واكتشاف الحنان القديم لمدينة لم يعرف غيرها في حياته. أما هي، فلم تكن سوى امرأة تعرف أن دلالها كامنٌ في المدن منذ أن اعتادت على ذلك برفقة والدها الذي رحل فجأة في طفولتها وبقي ضيفاً على أحلامها.
وفي رصد دال، يربط الكاتب صعود العلاقة وتدفقها بين خديجة وجمال (في الواقع علينا ألا ننسى أن جمال مبارك تزوج مِن السيدة خديجة الجمّال) بمسار المد الثوري الذي أعقب 25 كانون الثاني (يناير) 2011 ويربط تراجعها أيضاً بالتحولات التي رافقت انكسار هذا الحدث الفريد. فالمرة الأولى التي استشعر جمال أن العلاقة طبيعية، كانت خلال حضوره حفلة غنائية لإحدى فرق الثورة. وقتها لم ير في علاقته مع فتاة تصغره بسنوات أمراً شائكاً وأحسّ أنه جزء من جسد شاب عملاق، لكنه في رحلة العودة بدأ يتساءل: إلى متى يمكن أن تمتد صلاحية أغنيات الثورة؟
وحين يصل القارئ إلى الصفحة الأخيرة والبطلان يقومان بحزم حقائب السفر استعداداً للعودة إلى القاهرة من كابري، لا بد أنه ظلّ يسأل: إلى متى تمتد صلاحية علاقة الحب؟ غير أن الإجابة كانت واضحة. فلم تكن رحلة إيطاليا إلا «فورة»، أو هبة موقتة، بعدها يعود كل شيء إلى ما كان عليه. وربما لم تكن رحلة خديجة إلا بحثاً عن أب تاقت إليه، أما العلاقة ذاتها فلم تكن إلا مثل ضوء شمعة يخبو فجأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.