على رغم أن عمر مجلة المعرفة، التي تصدر عن وزارة التعليم، تجاوز ال50 عاماً، فإن حالها تشابه حال معظم المطبوعات الحكومية، التي يعلوها الغبار، إذ تتكدس أعداد «المجلة» داخل أروقة المستودعات وبعض المدارس من دون اطلاع كثيرين عليها أياً كانوا، من منسوبي التعليم من الموظفين أو طلابهم، كما أن كثيراً من تلك الفئات لا يعرفون عن «المجلة» شيئاً، وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة «الحياة»، بل إن منهم من لا يرغب في تصفحها بتاتاً. وأكد مصدر مطلع ل«الحياة» أن كلفة طباعتها وتوزيعها، والمكافأة المالية المقطوعة التي تعطى لبعض كتابها ومراسليها و«تفرغ» أحد القائمين عليها من منسوبي الوزارة، والأموال المهدرة، لا توازي مخرجاتها، إذ لا تستفيد منها الشريحة الكبرى من معلمين وطلاب، ذكوراً كانوا أم إناثاً، في ظل ضعف تسويقها وعدم مناسبة بعض المواضيع التي تطرحها لاهتمامات الطلبة والمعلمين. وذكرت وكيلة إحدى المدارس الثانوية سارة علي ل«الحياة» أن آخر مرة تسلمت فيها نسختين من المجلة من إدارة التعليم كان قبل سبعة أعوام، في مقابل رسوم اشتراك 200 ريال شهرياً، إذ طالبت المعلمات بالاطلاع عليها وقراءة بعض مواضيعها على الطالبات في حصص (الانتظار)، أما معلمات المرحلة المتوسطة سامية العقيل وهيا المطيري، فأوضحن أنهن منذ تعيينهن منذ سنوات عدة لم يسمعن بهذه المجلة، كما أنه ليس لها وجود في حجرة المصادر التعليمية في المدرسة، في حين قالت المعلمتان مها القحطاني وتهاني الدوسري: «على رغم توافر الأعداد الورقية القديمة منها في المدرسة، فإن طبيعة كثير من مواضيعها التي تحوي مقالات رتيبة عن التعليم والتربية وفعاليات الوزارة، اضطرتنا إلى تجاهلها». في حين قال معلم اللغة العربية خالد العنزي: «مجلة المعرفة ليست إلا منتجاً ورقياً على رف المكتبة، يكسوه الغبار وتنسج العناكب خيوطها عليه، وقد أجبرنا عليها من دون فائدة تذكر»، موضحاً أنه بعد مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد الطالب والمعلم يتذوقان قراءة مجلة ورقية بما لا يقل عن 150 صفحة بعد اعتياده على قراءة 140 حرفاً في «تويتر»، فيما أكد عدد من طلاب المرحلة الثانوية أن مواضيع المجلة لا تمت بصلة إلى الطالب ولا تكترث باهتماماته ولم تسع طوال سنوات ماضية إلى إشراكه في صفحاتها وتنمية ميوله وقدراته، وقالوا: «إصرار القائمين عليها على النسخة الورقية دفعنا إلى إهمالها». من جهته، أكد مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة التعليم محمد الدخيني أن مجلة المعرفة حملت منذ صدورها عام 1379ه في عهد وزير المعارف آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز، وإعادة إصدارها في 1417ه في عهد الملك فهد حتى تاريخه، الجانب الإعلامي المعرفي المتسم بطابع الرسمية، وفق رؤية هادفة وواضحة لمواكبة مراحل التطور التعليمي، الذي يشهده العالم، وتناول قضايا التعليم بمفهوم أوسع يمزج ما بين الإعلام بوصفه مرآة والقضية بصفتها مفهوماً تربوياً يستحق أن يكون تجربة أو أيقونة انبثقت منها أبعاد إيجابية لتطوير منظومة التعليم، وقال: «نحن نسعى في مجلة المعرفة إلى أن نكون مسهمين من خلال محتواها وتبويبها في توسيع مدارك القارئ تربوياً وتعليمياً وثقافياً، ومحاولة ربطه بالمستجدات من حوله ومواكبة المتغيرات، إضافة إلى تقديم صورة إيجابية عن تعليمنا، ونشر رؤى المختصين به». وأشار إلى أن السياسة التي قامت عليها المجلة أن تكون متاحة للجميع، من خلال منافذ تسويقية تجعلها في متناول الطالب والمعلم وولي الأمر والمسؤول، وانتشارها كان يعتمد على التسويق المعرفي لمحتواها أكثر من التسويق الربحي لها بوصفها منتجاً إعلامياً، مع القدرة على خلق التوازن بين عمليات التوزيع والمردود المادي لضمان استمرارها، وهو ما أسهم في تحقيق سياساتها في الوصول إلى الشرائح المستهدفة، وكان التحدي يكمن في النزول إلى الجانب المعرفي للطالب، وإمكان توفير محتوى مناسب للفئات العمرية المختلفة للطلاب لضمان الاستمرار في ارتفاع أسهم توزيع المجلة وتحقيق أحد أهم أهدافها في الوصول إلى الطالب داخل الفصل الدراسي، وهو الأمر الذي أتاح فرصة البحث وتضمينها مواد إثرائية تعزز الجانب المعرفي للطلاب والطالبات وبطريقة ومعالجة إعلامية تقيس حجم القراءة لدى الفئات العمرية المستهدفة، ومن جانب آخر، فإن كل ما ينشر في المجلة يعنى بطبيعة الحال بنقل الخبرات والتجارب للمعلم والمعلمة، الذين يمارسون ما يمكنهم ممارسته داخل الصف، فضلاً عن أن كل عدد يتضمن، إضافة إلى الملفات الرئيسة، مواضيع شائقة وممتعة ورسوماً كاريكاتيرية وخبرات حياتية مختلفة تقدم في قوالب تناسب الجميع. وأوضح الدخيني أنه بعد إعادة إصدار المجلة عام 1417 استمرت في الظهور شهرياً وبانتظام، ولكن هناك حالات استثنائية لا ترتبط بعمليات الإصدار والطباعة، وإنما بالتوزيع داخل المدارس، الذي قد يتأخر بسبب أن هناك فترات زمنية مرتبطة بالاختبارات أو التهيئة لعام دراسي جديد، إضافة إلى إجازة نهاية العام الدراسي، ولكنه ليس انقطاعاً، فهي بلغة الإعلام فترات ميتة للقراءة بالنسبة للطلاب، وهذا لا يعني عدم طباعتها أو توزيعها، كوننا مرتبطين بعقود لعمليات الطباعة والتوزيع يجب الالتزام بها. وعن أرقام توزيع المجلة، أبان مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة التعليم أن التوزيع يختلف من سنة إلى أخرى، ففي إحدى السنوات وصل توزيعها إلى 100 ألف نسخة، في حين أن المتوسط السنوي كان يعادل 60 ألف نسخة، ويتحكم بزيادة العدد أو نقصانه عوامل الاشتراك ونقاط البيع والإعلانات، كما أن آلية التوزيع تختلف من إدارة تعليم إلى أخرى بحسب المندوبين وعدد النسخ، موضحاً أن جميع من يعمل في الحقل الإعلامي يدرك أن إطلاق أي مشروع إعلامي إذا لم تضع في الاعتبار الحفاظ على استمراريته، فمن الأولى ألا تطلقه أو تعلنه، لأن الانطباع العام لدى المجتمع سيظهر أنك فشلت. لذلك، راعت مجلة المعرفة هذا الجانب منذ انطلاقها ونجاحها بوجود شركاء داعمين لبقائها من داخل الميدان التعليمي، كونها المنتج الإعلامي الوحيد الذي ولد معهم وداخل مدارسهم، حتى أصبحت بصمة وطنية للتعليم، وللعلم، فمجلة المعرفة ليس لها موازنة محددة من الوزارة، لذلك تحصل على موازنتها من خلال الاشتراكات والإعلانات، إذ إن كل مدرسة تدفع رسوم الاشتراك المقدر ب200 ريال في السنة من خلال إيرادات المقصف المدرسي. وعن كلفة الطباعة، أشار الدخيني إلى أن مجلة المعرفة تطرح سنوياً في منافسة عامة ضمن كراسة مواصفات وعقد واضح لإدارة عمليات الطباعة، وهي تختلف بحسب الشروط الموضوعة للحصول على قيمة العقد، ولكن الأهم من ذلك النوعية التي حافظت عليها المعرفة في إخراجها ونوعية الورق الذي يتم استخدامه في الطباعة، جميعها عوامل جعلت المنافسة على الفوز بتولي طباعتها جاذبة للمستثمر، مؤكداً أن «المجلة» لديها طاقم مفرغ للعمل بالدوام الكلي، يتم التعامل معهم مادياً وفق عقود واضحة، كما أن هناك متعاونين ومراسلين في الداخل والخارج، سواء أكانوا كتاباً أم محررين، إذ يتم التعامل معهم بمكافآت مقطوعة، أما المفرغون منهم فنحرص على أن يكونوا من أصحاب الخبرة التربوية والإعلامية لإدارة الملفات الإعلامية التي نعمل على تنقيتها بما يتناسب مع تبويب المجلة وموضوع العدد. وعن سبب انقطاع مجلة المعرفة منذ أكثر من عام، أفاد بأن عدم تجديد العقد مع الناشر وإعادة تهيئة المجلة بما يتوافق مع رؤية 2030 هو السبب وراء انقطاعها موقتاً، إذ سترى النور قريباً، بل إن المجلة تتبنى مشروعاً ضخماً ونقلة نوعية بوصفها منتجاً إعلامياً مغايراً لما هي عليه الآن، مع الإبقاء على هويتها ورسالتها. وعن الاستطلاع الصحافي الذي أجرته «الحياة» مع شريحة من المعلمين والمعلمات وقائدي المدارس والطلاب عن المجلة، أوضح مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة التعليم أن هناك فرقاً بين عمليات المسح الميداني والبحوث الاستقصائية واستطلاعات الرأي الصحافية، التي لا تمثل سوى خمسة في المئة من الشرائح التي تستهدفها مجلة المعرفة، وقال: «بإمكاننا عمل استطلاع عن المجلة، ونخبركم بأن 80 في المئة يقرؤون المجلة ويعرفونها، لنكن منصفين، نحن نستهدف أكثر من 500 ألف معلم ومعلمة وثلاثة ملايين طالب وطالبة، فالاستطلاعات الصحافية لا يتم الأخذ بها علمياً ولا يبنى عليها قرار، هي مجرد عينة عشوائية تطرح رأيها وفق مساحة محددة للنشر، ولولا نجاح المجلة لما صمدت أكثر من 20 عاماً وبانتظام». وعن مطالبات بعض الأكاديميين والمختصين بتخصيص معظم صفحات المجلة للطلبة والطالبات الذين يمتلكون هواية الكتابة الأدبية والنقدية والكاريكاتير والفن التشكيلي، أشار الدخيني إلى أن «المجلة» عبر مشوارها فعّلت كل الألوان الصحافية وفتحت الباب لكل أحد، سواء انتقد الوزارة أم مدحها، وكثير من نجوم الصحافة كانت بدايتهم مع المجلة بصفة متعاونين، ومايزالون يذكرون هذا الفضل لها، وفي ما يتعلق بمطالبة آخرين بتباين مواضيع المجلة تبعاً لكل مرحلة دراسية تتناسب مع الفئة العمرية للطالب، أكد أن «المجلة» تستطلع أراء الميدان في كل مرحلة تطويرية مرت بها، وتعمل ورش للمعنيين، وتسعى لتقديم ما هو منتظر منها، كما أن المواضيع تحكمها مستجدات وأحداث تمس التعليم في شكل عام، من خلال مواكبة كل ما يطرأ على الميدان من تغيير، والإعلام باعتباره رسالة لا يمكن أن يوضع في قالب واحد، فنحن من خلال المعرفة حريصون على النزول إلى كل فئة بلغة إعلامية عصرية، موضحاً أن «المجلة» يتم نشرها في الموقع الإلكتروني وموقع الوزارة، وفي التطوير الجديد سيكون هناك تسارع أكثر في الصورة والفيديو والنقل المباشر، إذ إننا على أعتاب مرحلة تحول في مسيرة المجلة، التي بلغت 60 عاماً بوصفها منصة إعلامية رائدة. المصيبيح: «إعلام الوزارة» لا يركز على الطالب يرى المستشار التربوي الإعلامي الدكتور سعود المصيبيح، أن الإعلام التربوي، الذي تقوده الوزارة، لا يركز على الطالب وولي أمره، بل اقتصر أداؤه على نقل الأنشطة المبهرجة وتصوير المأكولات في المناسبات التربوية وتلميع المسؤولين، ما أفقده رسالته في تطوير العملية التعليمية، وبما أن فئة الشباب تمثل غالبية المجتمع السعودي، فإن أسلوب الإعلام المكتوب والنشر الورقي العتيق للمجلة لم يعد يجذبهم، بل لا بد من استحداث تطبيق إلكتروني خاص بها، وأن تحوي «المجلة» ثلاثة أقسام، أحدها يوجه إلى الطالب ويحاكي مرحلته ويكون شريكاً رئيساً فيها، إذ تشمل صفحاته إبداعات الطالب وميوله الكتابية والنقدية وإنجازاته المدونة باسمه، كما لا بد أن تحوي المجلة استطلاعات لأولياء الأمور وآرائهم، في حين يوجه القسم الآخر إلى كل ما له علاقة بالعاملين في المجال التربوي، أما القسم الثالث فيتعلق بالبيئة التربوية، المقررات، المباني وغيرها. وطالب المصيبيح القائمين على مجلة المعرفة بتجسيد شراكة في الأداء بين طلاب التعليم العام وطلاب الجامعة، إذ إن نتاج طلاب التعليم العام من كتابات متباينة في مختلف المجالات وغيرها يقوم بتحكيمها وتقويمها طلاب مميزون في مختلف الكليات، ويكون بإشراف أساتذة الجامعة والمختصين، ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل لا بد أن يكون هناك تعاون بين كليات الإعلام في الجامعات مع الإعلام التربوي في الوزارة، لتسهم في نقل «المجلة» نقلة نوعية وتحقيق «الدمج» الإيجابي بين التعليم العالي والتعليم العام. وعن الإيجابيات المترتبة على ذلك، ذكر المصيبيح أنه تنمية لمهارات الطالب، كما سيحظى بدور فاعل على صعيد الإعلام التربوي والمجتمع، وسيعتاد أن يكون منجزاً ومنضبطاً ومنتجاً متفاعلاً مع البيئة التربوية، مسهماً في رؤيتها الإعلامية، وقال: «لا بد أن يتوفر فكر إداري قوي يسهم في استثمار المجلة وإدارتها على الوجه المطلوب». وعن بدايات مجلة المعرفة، قال المصيبيح: «عندما كنت أعمل مديراً للإعلام التربوي وأحد أعضاء اللجنة الاستشارية للمجلة ومن أسهموا في إعادة إصدارها عام 1417ه، كان لدي تحفظ شديد على كمية الدعم المادي الهائل الذي يصرف على المجلة، من خلال التعاقد مع إحدى الشركات الربحية، أما في ما يتعلق بمحتوى المجلة فكان مستواها جيداً، ومنحها رئيسها آنذاك زياد الدريس تميزاً ونجاحاً، وكنا نستقطب للكتابة نخبة من المثقفين والإعلاميين، ولكن التحديات التي واجهتها، والضغوط التي عانت منها المجلة لاحقاً، جعلها تشكل عبئاً على الوزارة، ما يستدعي الأمر إلى إعادة النظر في «المجلة» بفكر إداري قوي من شأنه الإسهام في تألقها».