خطا رئيس الحكومة السابق، دومينيك دوفيلبان أمس خطوة أساسية نحو الترشح لانتخابات الرئاسة التي تجرى في ربيع العام المقبل، بالإعلان عن برنامج مفصل يشكل المواطن والمواطنية جوهره. وخالف دوفيلبان الذي يعد أبرز الخصوم المعلنين للرئيس نيكولا ساركوزي، التكهنات التي سبقت مؤتمره الصحافي، في أحد فنادق باريس، حول احتمال إعلانه عن ترشيحه، مشيراً الى أن المهم حالياً التركيز على الجوهر والعمل على تقديم بديل للفرنسيين. وعلى مدى 45 دقيقة وأمام قاعة كبيرة اكتظت بالصحافيين وبعض أعضاء الحركة التي أسسها وأطلق عليها اسم «الجمهورية المتضامنة» شرح دوفيلبان مختلف بنود برنامجه الذي قال إن هدفه «إعادة الكرامة للمواطن». واعتبر دوفيلبان الذي برز سياسياً في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، الذي شغل الى جانبه مناصب عدة كان آخرها رئاسة الحكومة، أن الأحزاب السياسية الكبرى (اليمين واليسار) أهملت المواطن بحيث أصبح «المنسي الأكبر من قبل الجمهورية وينبغي إعطاؤه القدرة ليكون موجوداً». وضمن برنامجه مجموعة وعود أبرزها استحداث ما سماه «بالدخل المواطني» وقدره 850 يورو شهرياً، يقدم لكل من لا يتجاوز دخله مبلغ 1500 يورو، بما يسمح لحوالى «20 مليون فرنسي من العيش بكرامة» وفقاً «لعقد اجتماعي جديد» من شأنه أن يمثل أداة تؤدي الى «ديناميكية اقتصادية جديدة». ولكنه في المقابل اقترح إلزامية التسجيل على اللوائح الانتخابية وإلزامية الاقتراع في الانتخابات، وهو ما ليس معمول به في فرنسا حالياً وإلغاء الإعفاءات الضريبية كافة، لأن «على الجميع دفع الضرائب حتى إذا كانت رمزية» مقابل الاستفادة من الخدمات العامة التي تؤمنها الدولة. وعرض دوفيلبان تصوره لكيفية تفعيل الشعور بالمواطنية من خلال إنشاء هيئات للخدمة المواطنية «تكون مفتوحة أمام الجميع من كل الأعمار» بهدف أن يعود الشعب الفرنسي «مجدداً الى موقع الشعب الذي يحتسب له والقادر على التحرك». كما عرض تصوره لإعادة صوغ أجهزة الجمهورية المختلفة وإحلال استقلال قضائي فعلي وإصلاح أجهزة الأمن وإخفاء المزيد من العدالة على مناهج وتوزع الهيئات التعليمية وتطوير القطاع الصحي. وتطرق الى موضوع الهجرة مقترحاً إلغاء التعقيدات المرتبطة حالياً بالأنواع المختلفة من بطاقات الإقامة في فرنسا وتعزيز التنسيق على المستوى الأوروبي للسيطرة على موجات الهجرة غير الشرعية. وتعهد دوفيلبان العمل على استحداث مجلس للسياسة الخارجية لمعاونة رئيس الجمهورية من أجل إضفاء «نهج واضح على عملياتنا الخارجية التي تبدو مرتجلة أحياناً»، مشدداً بدوره على «واجب الاستقلال» حيال ملف شمال الأطلسي، الذي ينبغي لفرنسا الانسحاب منه والمشاركة في عملياته عندما تقتضي مصلحتها ذلك. واعتبر أن العودة الى القيادة الموحدة لحلف الأطلسي، أضعفت الجهود الهادفة الى «تطوير أوروبا الدفاعية» في حين أن عكس ذلك قيل عندما اتخذ قرار العودة الى هذه القيادة، مشدداً على ضرورة استعادة فرنسا لاستقلاليتها على صعيد السياسة الخارجية. وفي ما يتعلق بالضواحي الفرنسية، قال دوفيلبان إن التعامل معها كان خاطئاً حتى الآن وخيب الآمال وأنه بدلاً من الفوقية التي حكمت هذا التعامل لا بد من الانطلاق من المواطن في هذه المناطق «لتمكينه وتحديد الاستراتيجيات التي تعنيه» والعمل على تعزيز التضامن والتوزع العادل للموارد بين المناطق الفقيرة والغنية. وشكل البرنامج مزيجاً من المواقف الديغولية والديموقراطية الاجتماعية، كما تقاطع حول بعض النقاط مع البرنامج الذي عرضه الحزب الاشتراكي الفرنسي المعارض، لكن دوفيلبان أصر على أن «المسافة شاسعة جداً بين ما أطرحه وما تطرحه الأحزاب الكبيرة». بالإصغاء الى برنامج دوفيلبان تبدو الأمور بسيطة وواضحة فهو عازم على رفع فرنسا من حالة اليأس المسيطرة، ولكن هذه العزيمة لا تلغي التساؤلات حول القاعدة التي ستحمل معه برنامجه. فكل ما يملكه دوفيلبان الذي لم يحتل يوماً أي مقعد انتخابي على أي من المستويات، هو مجموعة المتطوعين الذين يعملون الى جانبه في إطار «الجمهورية المتضامنة»، وإمكانات هؤلاء لا تقارن بالآلات العملاقة العائدة للأحزاب التقليدية. في الوقت نفسه فإن استطلاعات الرأي لا تعطي دوفيلبان سوى نسبة محدودة جداً من التأييد، ولكن على رغم ذلك فإن المضي نحو خوض معركة الرئاسة المقبلة قد يكون برأيه السبيل الوحيد لرد الضربات المختلفة التي تلقاها من ساركوزي وكادت تقوده الى السجن في إطار ما عرف باسم قضية «كليرستريم» التي لم تنته فصولها بعد.