معرض سيتي سكيب العالمي الثاني    الذكاء الاصطناعي بيد الحمقى والتافهين    رئيس البرلمان العربي: دعوة المملكة لعقد القمة العربية والإسلامية تأتي في وقت مهم    أسئلة ما بعد الانتخابات    ممثل رئيس الجمهورية الجزائرية يصل الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    القبض على أشخاص لترويجهم المخدرات في عدد من مناطق المملكة    هيئة الأفلام وتجربة المحيسن.. «السينما 100 متر»    ضبط أكثر من 826 مخالفًا لممارستهم نشاط نقل الركاب دون ترخيص في عددٍ من مطارات المملكة    سر حيرة الاتفاق في قرار رحيل جيرارد    209 طلاب يتنافسون على الجامعات الأمريكية    ملتقى نجاح جدة 2024 بوابتك نحو التعليم العالي وفرص المستقبل    جامعة أم القرى تبدأ استقبال طلبات التقديم على برنامج دبلوم الفندقة والضيافة    محافظ الطائف يستقبل إدارة جمعية الرواد لإدارة الأزمات والكوارث والدعم    هجوم بالطائرات المسيرة يغلق مطارات موسكو مؤقتا    الصقور يركز على التمرير    35.4 مليار ريال حصيلة اتفاقيات ملتقى بيبان 24    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير الخارجية الإندونيسي        الغامدي والعبدالقادر يحتفلان بعقد قران فراس    أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    أمير القصيم يستقبل رئيس المحكمة الجزائية في بريدة    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    السعودية تدين الهجوم الإرهابي على محطة قطار في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    بيشة: ضبط مخزن للمواد الغذائية الفاسدة داخل سكن للعمال    «حساب المواطن»: 3.4 مليار ريال لمستفيدي دفعة نوفمبر    أمير الرياض يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    البحرين تعزي المملكة في استشهاد ضابطين بتحالف دعم الشرعية اليمنية    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على تبوك والجوف والحدود الشمالية    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تشارك في "ملتقى الترجمة الدولي" بالرياض    خلال الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل:المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    جمعية «صواب»: برنامج متخصص ل39 شاباً متعافياً من الإدمان بجازان    الأمريكية "كوكو جوف" بطلة الفردي في نهائيات رابطة محترفات التنس    محافظ جدة يتوج الفائزين في فعاليات بطولة جمال الجواد العربي    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    8 توصيات طبية تختتم مؤتمر طب الأعصاب العالمي    التفاؤل بفوز ترمب يدفع «S&P 500» لتسجيل أعلى مكاسب أسبوعية    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    ضمك يتغلّب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الحزم يزاحم نيوم على صدارة يلو    هيئة العقار ل «عكاظ»: «فال» و«موثوق» شرطان لإعلانات المنصات    «ألفا ميسينس».. تقنية اصطناعية تتنبأ بالأمراض    5 نصائح لحماية عينيك من الالتهاب    مراسل الأخبار    حديث في الفن    ياباني يحتفل بذكرى زواجه الافتراضي    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    يجوب مختلف مناطق المملكة.. إطلاق «باص الحِرفي» للتعريف بالفنون التقليدية    فطر اليرقات يعالج السرطان    فوز ترمب.. هل للعنصرية مكان في الانتخابات الرئاسية ؟    فهم ما يجري بالمنطقة من اضطرابات.. !    استحالة الممكن وإمكانية المستحيل    الشؤون الإسلامية تنفذ ١٣٣٥ جولة رقابية على جوامع ومساجد ومصليات ودور التحفيظ وجمعيات التحفيظ بمدينة جيزان    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نيسان لبناني آخر تجدده الانقسامات الأهلية
نشر في الحياة يوم 15 - 04 - 2011

يصعب استحضار المحطات التاريخية اللبنانية مفصولة عن أزماتها، بل يمكن القول إن التاريخ اللبناني هو تاريخ أزمات. أما الجديد، أو الفريد اللبناني، فإنّه ظاهرة التاريخ الذي لا يذهب إلى التاريخ، ويظل ممسكاً بعنق الحاضر وبإرهاصات المستقبل.
ضمن الديمومة التاريخية هذه، وفي قنوات استدامتها، تغرق الإنجازات المعروفة وطنياً، في المياه الآسنة للتعريفات الأهلية المختلفة. نتيجة لهذا الواقع المعقد تصبح التواريخ العامة، مواعيد زمنية لإعادة إنتاج الانقسام الأصلي الذي رافقها، بحيث يصير الاتفاق الاحتفالي، هو العابر، ويظل الانقسام البنيوي، بصفته المقيم الدائم، في الحياة اللبنانية. جردة تأريخية سريعة، تنبئ بأن الاستقلال الوطني كان خلافياً، وقبله إعلان دولة لبنان الكبير، وبعده سائر الأزمات السياسية المتفجرة، التي لمّا تخرج كل أثقالها حتى الآن.
ضمن السياق السياسي المضطرب هذا، شكلت لحظة 13 نيسان (أبريل) 1975، إيذاناً بانفجار البنية من داخلها، وأعطت إشارة البدء لسباق تدهورها المتمادي، عاماً بعد عام.
لكن لماذا العودة الدائمة إلى الأيام النيسانية؟ ببساطة لأن العودة ليست تكراراً لحدث مضى، بل هي إعادة اكتشاف لما تكشّفت عنه التشكيلة اللبنانية من مآزق، ولما تكشفه من عقبات أمام ابتكار تسوية داخلية، تكون قابلة للعيش وللتطور وللاستمرار.
يكاد لبنان اليوم يكون في ذات دوامة العام 1975، مضافاً إليها ما حملته العقود الزمنية اللاحقة. دار في إطار الدوامة «السابقة» تناقض داخلي حاد، طرفه الأول حركة شعبية ناهضة، موسومة بتلاوين وسياسات شتى، لكن إعلانها الإصلاحي لم تخطئ قراءته العين. أما الطرف الثاني «فموسوعة» النظام اللبناني، التي سقط منها تعريف الإصلاح، وأسقط منها بالتوازي، استنبات «الأذن السياسية» التي تحسن التقاط الأصوات الطالعة من أكثر من مطرح اجتماعي. ضمن نفس «الطاحونة» التناقضية دار خلاف خارجي – داخلي، حول موقع لبنان من الصراع العربي - الصهيوني، وحول الحصة اللبنانية الخاصة من هذا الصراع، وحول الموقف من «العمل الفدائي» الفلسطيني، وموقعه وتحالفاته وامتداداته، فوق الجغرافيا الوطنية، وفي دهاليزها السياسية. التناقض بشقيه، أقفل على التسويات، فهاجم «النظام»، باحتياطاته الأهلية، وردت المعارضة بشعاراتها وقواها أولاً، ومن ثمّ بخليط ملتبس من القوى والشعارات، مما بدا معه، وعند محطات كثيرة، أن صفة «الأهلية»، الارتدادية، لم تعد حكراً على حرب النظام السياسي، وحدها.
بالقياس إلى الانقسامات الإجمالية التي شهدتها سبعينات القرن الفائت، تُظهر اللوحة اللبنانية الحالية، انقساماً متفاقماً، مثلما تعيش الوضعية «المجتمعية» تدهوراً أكثر حدّة، وأشدّ خطورة. لقد انتقلت حدود الانشطار من نقاط التعريفات «المشاريعية»، إلى نقاط التحديدات المذهبية، وتراجعت الجغرافيا من خط فصل «المنطقتين»، إلى خطوط فصل بينية ضمن كل منطقة على حدة. على خط الانتقال هذا، اضمحلت قوى ونهضت قوى أخرى، وكان من الطبيعي أن يصيب الاضمحلال قوى «الوطنية والديموقراطية»، التي عبرت بقواها الاجتماعية والسياسية المناطق والطوائف، مثلما كان بديهياً أن «تصيب الازدهار» قوى الطائفية والمذهبية، التي ارتدت إلى حصونها الأولى الخاصة، لحماية الذات، ولمناوشة الذوات الأخرى، على حدود مناطق نفوذها السياسي، وضمن دواخلها، حيث يكون الأمر متاحاً.
إذاً، وبعد عقود، أعاد النظام اللبناني إنتاج نفسه، وعلى قول دارج «جددت الطائفية نفسها»، أي أنها ابتكرت الوسائط اللازمة التي أتاحت وتتيح لها، الإقامة الدائمة، في حنايا اليوميات اللبنانية. التجديد الطائفي يساوي الارتكاس الوطني، لكن القوى القادرة على حمل الشعار، والجهر به، غابت سياسياً لأسباب شتّى، منها التدهور الذي أصاب الاجتماع الوطني ومنها الجمود الذي نال من واقع هذه القوى، فصارت إلى الالتحاق والاستلحاق والانسحاب من ميدان التأثير الاجتماعي. خلاصة: «التجديد» الذي أقدم عليه النظام، لم يستطعه معارضوه، لذلك تبدو الساحة السياسية مسرحاً للممثل الوحيد، الناطق بلهجات متعددة.
لا يجد النظام المتجدد حرجاً في الخوض في نفس سجالات الأمس، الإصلاحية وغير الإصلاحية، فقد بات أكثر اطمئناناً إلى أن المعركة تدور ضمن أهل البيت الواحد، أي أن ما يطرح من تعديلات تجميلية، لا ينال من أسس النظام التي كانت مستهدفة بقضايا تأتيها من قوى تقف خارج أرض النظام الأصلية. بتعبير أيام سالفة: «الجبنة محفوظة»، وإن اختلف الآكلون على حصصهم منها.
حيال الخارج، الذي ما زال يجد تعبيراته في الموقف من القضايا العربية، وفلسطين في طليعتها، بات الأمر أيسر، بعد أن صار الخيار السلمي خياراً استراتيجياً عربياً. لكن قوى «التصدي» تطرح إشكالية أعقد، لأن شعار المقاومة صار داخلياً – أهلياً، ولأن فئة لبنانية محددة، تصر على امتلاك «الامتياز الوطني» هذا، لأنه يشكل في عرفها، وسيلتها الأهم للحصول على كل الامتيازات الأخرى، وعلى الحفاظ عليها بقوة «المشروعية القتالية». لقد انقسم اللبنانيون سابقاً حول هذه المهمة، وها هم اليوم يحافظون على انقسامهم، ويمدونه بأسباب الدعم الداخلية والخارجية، بحيث يمتد التمحور من الزواريب الأهلية، إلى عواصم القرار والتحالف، العربية وغير العربية.
هي نظرية الاستقواء المعروفة لبنانياً، ومعها سياسية الحذر والاستعداد «للبيع والشراء» في كل محفل، ودائماً وفق قياسٍ مرجعي هو: ما المصلحة الخاصة لهذه الفئة الأهلية أو تلك! وبعد ذلك يأتي السؤال عن المصلحة الوطنية.
كل نيسان يتفحص المواطنون الباقون على عهد المواطنة مواطئ أقدامهم، فيكتشفون إنزلاقها المستمر، ويستمعون إلى خطب «ممثليهم السياسيين» فلا يقعون إلا على الاستهتار بمعنى حياتهم الوطنية.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.