على رغم شغف الفنان المسرحي عبدالعزيز السماعيل المتزايد بالمسرح، وانحيازه الواضح إلى خشبة يعتليها ممثلون، لا يتردد في وضع إصبعه على جراح المسرح السعودي، يؤمن بغزارة إنتاج النصوص المسرحية، لكن لا توجد حركة نقدية تتوافق معه، ويرى مسرح الطفل طفلاً هزيلًا، و«يتيم الأم» حيث المرأة غائبة، وخلّف غيابها نقصاً وعجزاً عن تحقيق أهدافه، ويرى ألا بديل عن غيابها إلا حضورها، ويفصح عن ضرورة فصل الثقافة عن الإعلام، لأن الثقافة ينقصها الكثير، وتحتاج إلى رؤية ومشروع وطني شامل، و«وزارة الثقافة والإعلام» لا تملك مشروعاً بإمكاناتها الراهنة. ويدلي السماعيل في حوراه مع «الحياة» بآراء مثيرة للجدل على الساحة المسرحية السعودية، محاولاً تسليط الضوء على أبرز النجاحات والمعوقات التي تواجه المسرح والمسرحيين. يقال إن المسرح السعودي انطلق قبل 40 سنة، ما صحة ذلك، وأين وصل؟ - لو أنصف النقاد والباحثون التاريخيون في بحثهم الجاد عن المسرح، لما وجدوا بداية حقيقة له، بعد التجربة النظرية لأحمد السباعي في مكةالمكرمة في العام 1961، التي لم تتحقق فعلياً على أرض الواقع، سوى تجربة جمعية الفنون الشعبية الرائدة في الإحساء، والتي انطلقت بعدها بعشر سنوات تقريباً، وبالتحديد في العام 1971 كمؤسسة أهلية حقيقية معلنة، وخصوصاً بتقديم المسرح وعدد من الفنون الأخرى. ولم يسبق هذه المؤسسة الصغيرة في حينها أي نشاط مسرحي أهلي منظم، ومستمر إلى الآن، أما ما قبل ذلك، فهي جهود متشابهة ومبعثرة ومتفرقة في الزمان والمكان، على امتداد جغرافيا المملكة، في المدارس والأندية الرياضية. ولذلك اعتبر تاريخ الحركة المسرحية في المملكة قد بدأ فعلاً مع هذه المؤسسة (جمعية الفنون الشعبية في الإحساء) منذ 30 سنة، وليس قبل ذلك، مع الاحتفاظ بحق الأسماء والجهود الفردية، في تقديم المسرح قبلها، بوصفها علامات مهمة في تاريخ المسرح السعودي المعاصر. ألا يعد المسرح السعودي ناقصاً بسبب غياب المرأة عنه؟ - بلى، يعد قاصراً وناقصاً وعاجزاً عن تحقيق أهم أهدافه، وهو التواصل الحضاري الواقعي مع المجتمع بكل مكوناته. استطعنا أن نحقق مسرحاً جيداً، بل ومتميزاً في المسابقات والمشاركات الخارجية والداخلية، ولكننا بسبب غياب العنصر النسائي، لم نحقق تواصلاً حقيقياً مع المجتمع، وحتى الجمهور الكثيف الذي يحضر بعض عروض المسرح، في المناسبات، فهو يأتي في غالبيته العظمى للترفيه فقط، وليس للمسرح كحاجة أو قيمة فنية. صرحت في بعض المناسبات، عدم تأييدك لمشاركة المرأة في المسرح السعودي في الخارج، وإخفاءها في الداخل، كيف نعالج الوضع من وجهة نظرك؟ - ليس لحالة غياب المرأة عن المسرح السعودي حل سوى حضورها على المسرح، ولا يوجد بديل عن المرأة في الحياة سوى المرأة، المسرح حياة وفن اجتماعي من الدرجة الأولى، ولا يمكن التعبير عن الحياة بنصفها فقط، وحاولنا سنين طويلة، ولم نحقق المسرح الذي نتمناه في حياتنا بين الناس، وعلى رغم هذا الغياب، فإن إبداع المسرحيين في المملكة لا يقل عن سواهم في الوطن العربي، بشهادة الكثير من الناقد والمتابعين، وإصرار المسرحيين على التواجد وتكثيف حضورهم المسرحي في الداخل والخارج، دليل وعي أصيل على انتمائهم وحبهم للمسرح والإيمان به. في رأيك ما هي أهم المعوقات المادية والبشرية التي تقف في وجه الإبداع المسرحي السعودي وتطوره؟ - المسرح فعل ثقافي، والثقافة في المملكة عموماً ينقصها الكثير، وبالتالي فهي تحتاج إلى رؤية جديدة ومشروع وطني شامل، ولا أظن أن وزارة الثقافة والإعلام لديها هذا المشروع بإمكاناتها الحالية، لذلك لابد من العودة إلى فصل الثقافة عن الإعلام كحل لابد منه في النهاية، والعودة إلى إحياء المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب في المملكة كمؤسسة مستقلة، لديها رؤيتها ومشروعها المستقل، لبناء ودعم الثقافة فنياً وعلمياً، بالتعاون مع جميع المؤسسات الأخرى، مثل التعليم العالي، لإنشاء أكاديميات متخصصة في الفنون، وحتى تصبح الثقافة مشروعاً وطنياً كاملاً، له ذات الحقوق والتطلعات الموجودة في مشاريع التنمية الأخرى، كالرياضة مثلاً. وسيظل المسرح السعودي والثقافة عموماً في المملكة تعاني قصوراً واضحاً في الرؤى، واختلالاً بارزاً ومستمراً في أهدافها الآنية والمستقبلية، يواكب اختلاف الرؤى وتباينها الكبير جداً والمقلق جداً، بين مسؤول وآخر يتولى مسؤولية وإدارة الثقافة في بلدنا. يعتمد المسرحيون الناشئون على ورش عمل لصقل مواهبهم، ما رأيك في غياب أكاديمية للمسرح، وإغلاق أقسام المسرح في عدد من جامعات السعودية، مثل جامعة الملك سعود في الرياض؟ - أغلق قسم المسرح أو شعبة المسرح الوحيدة في جامعة الملك سعود، بضغط من التيار الديني المتشدد في الجامعة، في ذلك الوقت، ولم تكن لدينا أصلاً شُعب أخرى للمسرح في بقية الجامعات، ولكن جامعة الملك سعود تستطيع إعادته الآن في ضلّ تطورها اللافت والمميز من بين كل الجامعات، وكذلك بقية الجامعات في المملكة تستطيع افتتاح أقسام للمسرح فيها لو أرادت، هذه مسألة تعود إلى إدارة الجامعة، وليس إلى جهات أخرى، ولا يوجد قرار حكومي لمنع قسم المسرح أو الفنون الأخرى، ولكن يوجد كما قلت سابقاً، توجهات ورؤى شخصية متطرفة رافضة أو خائفة من التطرف، تحكم وتتحكم في هذه الاتجاهات، وبسبب كل ذلك تلجأ المؤسسات الفنية إلى إقامة الورش والدورات، بحسب إمكاناتها، لتسد الفراغ الأكاديمي والمهني الحاصل لدينا في هذا المجال. هل يملك المسرحيون السعوديون رؤية مستقبلية للنهوض بالمسرح؟ - بصراحة لا يحتاج المسرح السعودي ولا الثقافة السعودية إلى أفكار عبقرية للتخطيط للمستقبل، من أجل المسرح أو الثقافة عموماً، وعلى المسؤولين أن يكفوا عن مثل هذه الدعوات لعقد المؤتمرات والندوات حول هذا الموضوع، فلسنا مختلفين عن باقي البشر، كما أن مسرحنا وأدبنا وفنوننا كلها ليست بدعة بين الثقافات والفنون، يجب أن نكف عن المبالغة في حالة الخصوصية هذه، وما قدمه الآخرون من تجاربهم كافٍ جداً، ويجب أن نتعلم منه ونستفيد ونبني مستقبلنا لو أردنا في كل يسر وسهولة، فمسرحنا وثقافتنا كلها تحتاج بصراحة إلى توافر إرادة حكومية جادة ومنظمة لتطويره والنهوض به، وليس إلى أفكار جديدة لم يسبقنا إليها أحد. * كيف نشأت «مسابقة العروض القصيرة في الدمام»؟ ومدى تأثيرها على الحركة المسرحية؟ وما المتوقع منها إلى الآن؟ - كانت «المسابقة» ولازلت حلمي الأول لمسرحيي المنطقة الشرقية، والتابعين لل«الجمعية» بشكل خاص، وفي الحقيقة كانت حلم جميع المسرحيين. وعندما استلمت رئاسة قسم المسرح في الجمعية في العام 1999، كانت هموم المسرحيين هي همي وأنا معهم، وأحلامنا هي ذاتها، ومن أجل الخروج من مأزق النمطية والتكرار، واقتصار نشاط المسرح سنوياً على عرض منهجي واحد في السنة فقط، لابد من إيجاد أفكار خلاقة تعنى بالجانب النظري والعملي في مسرح الجمعية، وبدأت خطت القسم العملية بالمنتدى، كنا ثلاثة أشخاص، أنا والناقد أثير السادة والفنان راشد الورثان، وشخص رابع معنا لا أذكر اسمه الآن، قررنا في جلستنا الأولى أن نحقق المنتدى حتى لو اقتصر علينا نحن الأربعة فقط، وكانت النتيجة مبهرة. ومن بين خطط الفرع السنوية تنظيم مسابقة سنوية للتأليف المسرحي، وتبلغ موازنتها خمسة آلاف ريال، ولكن لم يتم تفعيلها لسنوات، حينها طلبت من الإدارة مخاطبة المركز الرئيسي في الرياض، والسماح لنا بتحويل المبلغ إلى مسابقة العروض القصيرة، وجاءت الموافقة، وهكذا انطلقت فكرتها، وبدأت بجهود مدير فرع الجمعية في ذلك الوقت الدكتور مبارك الخالدي، الذي غادر الإدارة قبل انطلاق المسابقة، كما منحنا محمد الشريدي الدعم والثقة، ولهما أدين بمعظم الجهود التي نفذتها في قسم المسرح، وقبلهم كان الصديق صالح بوحنيه. نهضت «المسابقة» في دورتها الأولى، فيما يشبه المعجزة أو المغامرة، و لكن جهود المسرحيين في الجمعية لا تقدر بثمن، منهم من بذل جهداً غير عادي من أجل المسابقة مثل أثير السادة وغسان الدبس وعبدالله الحسن وجاسم الجاسم وجبران الجبران ومكي درويش، وهم أعضاء اللجنة المنظمة في الدورة الأولى، واستمرت المسابقة كما خطط لها، تنفذ من خلال جهود المسرحيين في الدمام، وتعود إليهم وليس من أحد خارجهم. وأتاحت «المسابقة» أمام المسرحيين فرصة تجريب وتقديم خبراتهم ومواهبهم في التأليف والإعداد والإخراج والتمثيل، كما أتاحت للجمعية فرصة تطوير قدراتها في الإعداد والتنظيم، ولا تزال تحقق هذا الهدف بتطور ملحوظ عاماً بعد عام، وأتمنى من المسرحيين في الجمعية والقائمين على المسابقة والتي سميت مهرجاناً الآن، أن يتذكروا جيداً، وباستمرار، أن سر المسابقة وتميزها في نجاحها المبهر، يكمن في تشجيعها وإبرازها المواهب المحلية في المنطقة الشرقية، والمراهنة عليها دائماً في المجالات كافة، وأن الاستعانة بكوادر من الخارج إضافة إلى العروض جيد ومفيد، ولكن من دون مبالغة، حتى لا تفقد ماهيتها وهويتها الأصلية أولاً.