لم تصل موضة عمليات التجميل الى الشابات الصينيات. أو قلّ، لا يكترثن لها. الجمال، تختصره فيونا (24 سنةً) ب «القدرة الدائمة على الحركة». الحراك المستمر في مكان العمل، وتطوير الذات، يحتل سلم أولويات الشباب الصيني. أما تحسين الشكل، فلا يتعدّى الخضوع لهواء السشوار الساخن، ولمبرد الأظافر وفرشاة طلائها الصفر والخضر والبرتقالية. في المقابل، يلقى التزيين رواجاً كبيراً بين هذه الفئة العمرية، ولا يقتصر على الشابات، بل يهتم الشبان أيضاً بتقليم أظافرهم وتغيير تسريحة شعرهم. ذلك أن التزيين، وفق شازي، يعدّ «مهمة أساسية للسهرات والمناسبات الاجتماعية، وضرورة اللقاء مع الحبيبات». تضحك فيونا لدى معرفتها بأن 17 في المئة من الشابات اللبنانيات خضعن لعمليات تجميل. تستغرب هذا الإقبال في منطقة تتمتع فيها الفتيات بمواصفات جمالية عالية «نحن محرومات منها». وتسأل بدهشة: «هل تمتلك الفتيات في بلدكم متسعاً من الوقت للتفكير بتحسين المظهر؟». الوقت وفق فيونا، «أثمن من أن ينقضي في شؤون غير عملية». اختلاف أولويات الشباب بين لبنان والصين، لا يقنعها، لأنها اعتادت على التفكير بتطوير نفسها «كامرأة عاملة أطمح الى امتلاك شركة كبيرة». هذا التوجه، تتشارك فيه مع زميلاتها في صالون التزيين النسائي في شنغهاي، على رغم معرفتهن بأنهن «أكثر فتيات العالم حاجة لعمليات تجميل، منها تغيير بعض المعالم الأنثوية في الجسم، وإبراز تضاريس لا نتمتع بها». تقول شايا (27 سنةً): «لا شك في أن إطلالة النجمات العالميات، بأجساد مليئة بالأنوثة، تدفعنا للتفكير بالخضوع لعمليات تجميل، لكن هذا المنطق غير شائع هنا»، مشيرة الى أن المرأة التي تغير بشكلها «ستواجه نقداً اجتماعياً كبيراً وتتعرض لاحتقار المتدينين، وكبار السن المحافظين على التقاليد». بدورهم، يفتتن الشبان بالجمال الطبيعي الذي اعتادوا على رؤيته في الفتيات المحيطات بهم. يقول شازي: «لا أعتقد أن هناك أجمل من الأنف الصيني، ولا رقة موازية لنعومة الإناث الصينيات، فلماذا يخضعن لعمليات تجميل؟» تساؤل شازي، يبدو شائعاً بين فتيات يتمتعن «بثقة بالنفس»، وعززت تلك العقلية، خلفية الشبان الاجتماعية الرافضة «لتغيير ما خلقه الله». إضافة الى ذلك، يعبّر كثر عن رضى تجاه الشكل الذي يختلف الى حدّ كبير عن «نجماتنا العالميات المفضلات اللواتي نشاهدهن على الشاشات». وفي مطلق الأحوال، يضع الشباب الصيني معاييرَ مختلفة لشريكة العمر، تتمحور ضمن إطار «القدرة على منح جرعات زائدة من الحب، وانتمائها الى بيئة محافظة، وتمتلك أهلية لتطوير الذات». على رغم ذلك، لا ينفك الصينيون يهتمون بمظهرهم الخارجي عبر الزيارات المستمرة الى صالونات الحلاقة. التغيير في المظهر، يقتصر على ابتكار موديلات غريبة من التسريحات، واعتماد «لوك» مختلف في كل مرة. تقول ستازي: «لا يمضي عام إلا وأبدل فيه لون شعري أربع مرات، وأغير التسريحة في كل مرة تيمناً بنجمات عالميات»، مشيرة الى أنها تواجه استياء والديها في بعض الأحيان، وثناءهما في أحيان أخرى. ولا تعير الصينيات اهتماماً للتكلفة المادية، الباهظة نسبياً، المترتبة على زيارة صالون التزيين المشترك بين النساء والرجال. أما ريوو كايا (21 سنةً)، فتجد سعادتها بدهشة الناظرين إليها، إذ تتفنن في اعتماد أشكال «غريبة» بتسريحة الشعر «لمرة واحدة فقط مقتصرة على السهرات الشبابية»، وتبتكر أشكالاً مختلفة لأظافرها وتلونها بألوان غير مألوفة «كالأصفر والأخضر والبرتقالي»، مشيرة الى أن الأناقة «أولوية بالنسبة إلى حبيبي، ومحل فخر أمام باقي الأصدقاء». وإذا كان رأي الأصدقاء يهم ريوو كايا، فإن أخريات لا يكترثن لتلك الآراء، ولا يهمهن إلا رأي الصديق الذي سيتحول الى زوج في المستقبل. فالحب، وفق عقيدة الإناث، «هو ارتباط أبدي مؤجل». وتشير ألورا الى أن الشائع بين الأصدقاء أن «العلاقة العاطفية يجب أن تستمر، لأن الكيمياء العاطفية التي تجمع شخصين منذ البداية، تعني أهليتهما للاستمرار. لذلك، نحن كشباب، مقتنعين بقدر الحياة، والتواصل المشترك الذي يصمد بفعل الحب العذري، الخاضع للعادات والتقاليد والملتزم بها». مفاهيم كثيرة يتحدث عنها الشباب الصيني، تشبه العقلية المحافظة في الثقافة العربية، على رغم بُعد المسافة بين بيئتين لا تحكمهما الجغرافيا ولا التاريخ بأي رابط اجتماعي.